و " قاصرات الطّرف " من إضافة اسم الفاعل لمنصوبه تخفيفاً، إذ يقال : قصر طرفه على كذا، وحذف متعلق القصر للعلم به، أي : على أزواجهن.
وقيل : معناه : قاصرات طرف غيرهن عليهن إذا رآهن أحد لم يتجاوز طرفه إلى غيرهن.
ووحد الطرف مع الإضافة إلى الجمع ؛ لأنه في معنى المصدر، من طرفت عيناه
٣٤٩
تطرف طرفاً، يقال : ما فيها عين تطرف، ثم سميت العين بذلك، فأدى عن الواحد والجمع، كقولهم :" قَومٌ عَدْل، وصَوْم ".
قاله القرطبي.
واعلم أن هذا الترتيب في غاية الحسن ؛ لأنه بيَّن أولاً المَسْكن وهو الجنة، ثم بين ما يتنزّه به وهو البستان، والأعين الجارية، ثم ذكر المأكول، فقال :﴿فِيهِمَا مِن كُلِّ فَاكِهَةٍ زَوْجَانِ﴾، ثم ذكر موضع الرَّاحة بعد الأكل وهو الفرش، ثم ذكر ما يكون في الفراش معه.
قال ابن الخطيب : وقوله :﴿قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ﴾.
أي : نساء أو أزواج، فحذف الموصوف لنكتة وهو أنه - تعالى - لم يذكرهُنّ باسم الجنس، وهو النساء بل بالصفات، فقال :﴿وَحُورٌ عِينٌ﴾ [الواقعة : ٢٢]، ﴿وَكَوَاعِبَ أَتْرَاباً﴾ [النبأ : ٣٣] ﴿قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ﴾، ﴿حُورٌ مَّقْصُورَاتٌ﴾ [الرحمن : ٧٢] ولم يقل : نساء عُرباً، ولا نساء قاصرات، لوجهين : إما على عادة العظماء كبنات الملوك إنما يذكر بأوصافهنّ، وإما لأنهن لما كملن كأنهن خرجن من جنسهن.
وقوله تعالى :﴿قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ﴾ يدل على عفّتهن، وعلى حسن المؤمنين في أعينهن، فيحببن أزواجهن حبًّا يشغلهنَّ عن النَّظر إلى غيرهم، ويدل أيضاً على الحياء ؛ لأن الطرف حركة الجفن، والحييَّةُ لا تحرك جفنها، ولا ترفع رأسها.
قوله تعالى :﴿لَمْ يَطْمِثْهُنَّ﴾.
هذه الجملة يجوز أن تكون نعتاً لـ " قاصرات "، لأن إضافتها لفظية، كقوله تعالى :﴿هَـذَا عَارِضٌ مُّمْطِرُنَا﴾ [الأحقاف : ٢٤].
وقوله :[البسيط] ٤٦٥٨ - يَا رُبَّ غَابِطِنَا لَوْ كَانَ يَطْلُبُكُمْ
...................
وأن يكون حالاً لتخصيص النكرة بالإضافة.
واختلف في هذ الحرف والذي بعده عن الكسائي، فنقل عنه أنه يجيء في ضم أيهما شاء.
ونقل عنه الدوري ضم الأول فقط.
ونقل عنه أبو الحارث : ضم الثاني فقط، وهما لغتان.
يقال : طَمَثَها يَطْمِثها ويَطْمُثها إذا جامعها، لما روى أبو إسحاق السبيعي قال :
٣٥٠
كنت أصلي خلف أصحاب عليٍّ فأسمعهم يقولون :" لم أطْمِثْهُنّ " بالرفع، وكنت أصلي خلف أصحاب عبد الله فأسمعهم يقولون : بكسر الميم، وكان الكسائي يضم إحداهما، ويكسر الأخرى لئلاّ يخرج عن هذين الأثرين.
وأصل " الطَّمْث " : الجماع المؤدّي إلى خروج دم البكر، ثم أطلق على كل جماع طمث، وإن لم يكن معه دم.
وقيل :" الطّمث " : دم الحيض ودم الجماع، فيكون أصله من الدم.
ومنه قيل للحائض : طامث، كأنه قيل : لم يدمهن بالجماع إنس قبلهم ولا جانّ.
وقيل الطمث : المسّ الخالص.
وقال الجحدري، وطلحة بن مصرف :" يطمثهن " بفتح الميم في الحرفين، وهو شاذ، إذ ليس عينه ولا لامه حرف حلق.
والضمير في " قبلهم " عائد على الأزواج الدال عليهم قوله :﴿قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ﴾، أو الدَّال عليه " متكئين ".

فصل في تحرير معنى الطمث قال القرطبي :" لم يطمثهن " أي : لم يصبهن بالجماع قبل أزواجهن أحد.


قال الفراء : والطَّمْث : الافتضاض والنكاح بالتدمية، طَمَثَها يَطْمِثُها طَمْثاً إذا افتضها.
ومنه قيل : امرأة طامث أي : حائض.
وغير الفراء يخالفه في هذا ويقول : طمثها بمعنى وطئ على أيّ الوجوه كان، إلا أن الفراء أعرف وأشهر.
قال الفرزدق :[الوافر] ٤٦٥٩ - وقَعْنَ إليَّ لَمْ يُطْمَثْنَ قَبْلِي
وهُنَّ أصحُّ مِنْ بَيْضِ النَّعَامِ
جزء : ١٨ رقم الصفحة : ٣٤١
وقال أبو عمرو : الطَّمث والمس، وذلك في كل شيء يمسّ، ويقال للمرتع : ما طمث ذلك المرتع قبله أحد، وما طمث هذه النَّاقة حبل أي ما مسها عقال وقال المبرد : لم يذللهن إنس ولا جان، والطمث : التذليل.
٣٥١


الصفحة التالية
Icon