قال : لأن " ليس " مثل " ما " النافية فلا حدث فيها، فكيف تعمل في الظرف من غير حدث، وتسميتها فعلاً مجازاً، فإن حدَّ الفعل غير منطبق عليها.
ثم قال : وأمَّا المثال الذي نظر به، فالظرف ليس معمولاً لـ " ليس " بل للخبر، وتقدم معمول خبرها عليها، وهي مسألة خلاف.
انتهى.
قال شهاب الدين : الظروف تعمل فيها روائح الأفعال، ومعنى كلام الزمخشري أن النفي المفهوم من " ليس " هو العامل في " إذا " كأنه قيل : ينتفي كذب وقوعها إذا وقعت، ويدل على هذا قول أبي البقاء رحمه الله.
والثاني : ظرف لما دل عليه ﴿لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ﴾، أي : إذا وقعت لم تكذب، فإن قيل : فليجر ذلك في " ما " النافية ؟.
فالجواب : أن الفعل أقرب إلى الدلالة على الحدث من الحرف.
الثالث : أنها شرطية، وجوابها مقدر، أي :" إذا وقعت كان كيت وكيت "، وهو العامل فيها.
الرابع : أنها شرطية، والعامل فيها الفعل الذي بعدها ويليها، وهو اختيار أبي حيان، وتبع في ذلك مكيًّا.
قال مكي :" والعامل فيه " وقعت " ؛ لأنها قد يجازى بها، فعمل فيها الفعل الذي بعدها كما يعمل في " مَا "، و " مَنْ " اللتين للشرط في قولك : ما تَفْعَلْ أفْعَلْ، ومن تُكْرِمْ أكْرِمْ "، ثم ذكر كلاماً كثيراً.
الخامس : أنها مبتدأ، و " إذَا رُجَّتْ " خبرها، وهذا على قولنا :" إنها تتصرف " وقد مضى تحريره إلا أن هذا الوجه إنما جوزه ابن مالك، وابن جني، وأبو الفضل الرازي على قراءة من نصب " خافِضَةً رافِعَةً " على الحال، وحكاه بعضهم عن الأخفش.
قال شهاب الدين :" ولا أدري اختصاص ذلك بوجه النَّصب ".
السادس : أنه ظرف لـ " خافضة "، أو " رافعة ".
قاله أبو البقاء.
أي إذا وقعت خفضت ورفعت.
السابع : أن تكون ظرفاً لـ " رُجَّتْ "، و " إذَا " الثانية على هذا إما بدل من الأولى، أو تكرير لها.
الثامن : أن العامل فيه ما دلّ عليه قوله :﴿فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ﴾ [الواقعة : ٨] أي : إذا وقعت بانت أحوال الناس فيها.
٣٦٨
التاسع : أن جواب الشرط، قوله :﴿فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ﴾ [الواقعة : ٨] إلى آخره، و " لِوقعَتِهَا " خبر مقدم، و " كاذبة " اسم مؤخر.
و " كاذبة " يجوز أن تكون اسم فاعل، وهو الظَّاهر، وهو صفة لمحذوف، فقدر الزمخشري :" نفس كاذبة ".
أي : أن ذلك اليوم لا يكذب على الله أحد، ولا يكذِّب بيوم القيامة أحد.
ثم قال :" و " اللام " مثلها في قوله :﴿قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي﴾ [الفجر : ٢٤]، أو ليس نفس تكذبها، وتقول لها : لم تكوني كما لها اليوم نفوس كثيرة يكذبنها اليوم، يقلن لها : لن تكوني، أو هي من قولهم : كَذَبَتْ فُلاناً نفسُه في الخَطْبِ العظيم إذا شجعته على مباشرته، وقالت له : إنك تطيقه وما فوقه، فتعرض له ولا تبال به، على معنى أنها وقعة لا تُطاق شدة وفظاعة، وأن لا نفس حينئذ تحت صاحبها بما تحدثه به عند عظائم الأمور وتزين له احتمالها وإطاقتها ؛ لأنهم يومئذ أضعف من ذلك وأذلّ، ألا ترى إلى قوله ﴿كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ﴾ [القارعة : ٤]، والفراش مثل في الضعف ".
وقدره ابن عطية :" حال كاذبة ".
قال : ويحتمل الكلام على هذا معنيين : أحدهما : كاذبة أي : مكذوبة فيما أخبر به عنها، فسماها كاذبة لهذا، كما تقول : هذه قصّة كاذبة، أي : مكذوب فيها.
والثاني : حال كاذبة أي : لا يمضي وقوعها، كقولك : فلان إذا حمل لم يكذب.
والثالث :" كاذبة " مصدر بمعنى التَّكذيب.
نحو ﴿خَآئِنَةَ الأَعْيُنِ﴾ [غافر : ١٩].
قال الزمخشري : وقيل :" كاذبة " مصدر كـ " العاقبة " بمعنى التكذيب من قولك : حمل فلان على قرنه فما كذب، أي فما جبن ولا تثبَّط، وحقيقته فما كذب نفسه فيما حدثته به من إطاقته له وإقدامه عليه وأنشد لـ " زهير " :[البسيط] ٤٦٦٩ -...................
إذَا
مَا اللَّيْثُ كَذَّبَ عَنْ أقْرانِهِ صَدَقَا
جزء : ١٨ رقم الصفحة : ٣٦٧
أي : إذا وقعت لم يكن لها رجعة ولا ارتداد انتهى.
٣٦٩


الصفحة التالية
Icon