وهو كلام حسن جدًّا.
ثم لك في هذه الجملة وجهان : أحدهما : أنها لا محلّ لها من الإعراب، إما لأنها ابتدائية، ولا سيما على رأي الزمخشري، حيث جعل الظرف متعلقاً بها.
وإما لأنها اعتراضية بين الشرط وجوابه المحذوف.
الثاني : أن محلّها النصب على الحال.
قاله ابن عطية.
ولم يبين صاحب الحال، ماذا ؟.
وهو واضح إذ لم يكن هنا إلاَّ الواقعة، وقد صرَّح أبو الفضل بذلك.
وقرأ العامة : برفع " خَافِضَةٌ ورافِعَةٌ " على أنها خبر ابتداء مضمر، أي : هي خافضة قوماً إلى النَّار، ورافعة آخرين إلى الجنة، فالمفعول محذوف لفهم المعنى.
أو يكون المعنى أنها ذات خفض ورفع، كقوله :﴿يُحْيِي وَيُمِيتُ﴾ [البقرة : ٢٥٨]، ﴿وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ﴾ [البقرة : ١٨٧].
وقرأ زيد بن علي وعيسى والحسن، وأبو حيوة، وابن مقسم واليزيدي : بنصبهما على الحال.
ويروى عن الكسائي أنه قال :" لولا أن اليزيدي سبقني إليه لقرأت به " انتهى.
قال شهاب الدين :" ولا أظن مثل هذا يصح عن مثل هذا ".
واختلف في ذي الحال : فقال أبو البقاء : من الضمير في " كاذبة "، أو في " وقعت ".
وإصلاحه أن نقول : أو فاعل " وقعت " ؛ إذ لا ضمير في " وقعتْ ".
وقال ابن عطية وأبو الفضل : من " الواقعة ".
ثم قرّرا مجيء الحال متعددة من ذي حال واحدة، كما تجيء الأخبار متعددة.
وقد تقدم بيانه.
وقال أبو الفضل :" وإذا جعلت هذه كلها أحوالاً، كان العامل في " إذا وقعت " محذوفاً يدل عليه الفحوى، أي : إذا وقعت يحاسبون ".
٣٧٠
فصل في معنى الآية قال المفسرون :﴿إذا وقعت الواقعة﴾ أي : إذا قامت القيامة، والمراد : النَّفخة الأخيرة، وسميت الواقعة لأنها تقعُ عن قرب.
وقيل : لكثرة ما يقع فيها من الشَّدائد.
قال الجرجاني :" إذا " صلة، أي : وقعت الواقعة، كقوله :﴿اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ﴾ [القمر : ١] ﴿أَتَى أَمْرُ اللَّهِ﴾ [النحل : ١] وهو كما يقال : جاء الصوم، أي : دنا واقترب.
وقال القرطبي : فيه إضمار، أي : اذكر إذا وقعت، وعلى هذا " إذا " للتَّوقيت، والجواب قوله :﴿فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ﴾ [الواقعة : ٨].
وقال ابن الخطيب : أو يكون التقدير : إذا وقعت الزلزلة الواقعة يعترف بها كل أحد، ولا يتمكّن أحد من إنكارها.
و ﴿لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ﴾.
" الكاذبة " : مصدر بمعنى الكذب، والعرب قد تضع الفاعل والمفعول موضع المصدر كقوله تعالى :﴿لاَّ تَسْمَعُ فِيهَا لاَغِيَةً﴾ [الغاشية : ١١] أي : لغو، والمعنى : ليس لها كذب.
قاله الكسائي.
ومنه قول العامة : عائذاً بالله، أي : معاذ الله، وقُمْ قائماً، أي : قم قياماً.
وقيل : الكاذبة : صفة، والموصوف محذوف، أي : ليس لوقعتها حال كاذبة أو نفس كاذبة، أي كل من يخبر عن وقعتها صادق.
وقال الزجاج :﴿لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ﴾ أي : لا يردها شيء.
ونحوه قول الحسن وقتادة.
وقال الثوري : ليس لوقعتها أحد يكذب بها.
وقيل : إن قيامها جدّ لا هزل فيه.
وقوله :﴿خَافِضَةٌ رَّافِعَةٌ﴾.
قال عكرمة ومقاتل والسدي : خفضت الصوت فأسمعت من دنا، ورفعت من نأى، يعنى أسمعت القريب والبعيد.
وعن السّدي : خفضت المتكبرين ورفعت المستضعفين.
٣٧١
وقال قتادة : خفضت أقواماً في عذاب الله، ورفعت أقواماً إلى طاعة الله.
وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : خفضت أعداء الله في النار، ورفعت أولياء الله إلى الجنة.
وقال ابن عطاء : خفضت أقواماً بالعدل، ورفعت أقواماً بالفضل.
والرفع والخفض يستعملان عند العرب في المكان والمكانة والعزّ والمهانة، ونسب سبحانه وتعالى الرفع والخفض إلى القيامة توسعاً ومجازاً على عادة العرب في إضافتها الفعل إلى المحل والزمان وغيرهما مما لم يمكن منه الفعل، يقولون : ليلٌ قائم، ونهار صائم.
وفي التنزيل :﴿بَلْ مَكْرُ الْلَّيْلِ وَالنَّهَارِ﴾ [سبأ : ٣٣].
والرافع والخافض في الحقيقة هو الله تعالى.
و " اللام " في قوله " لوقعتها " إما للتعليل، أي لا تكذب نفس في ذلك اليوم لشدة وقعتها.
وإما للتعدية، كقولك :" ليْسَ لزيد ضارب " فيكون التقدير : إذا وقعت الواقعة ليس لوقعتها امرؤ يوجد لها كاذب يكذب إذا أخبر عنه.
قال ابن الخطيب : وعلى هذا لا يكون " ليس " عاملاً في " إذا " وهو بمعنى " ليس " لها كاذب.
جزء : ١٨ رقم الصفحة : ٣٦٧
قوله :﴿إِذَا رُجَّتِ الأَرْضُ﴾.
٣٧٢


الصفحة التالية
Icon