يجوز أن يكون بدلاً من " إذا " الأولى، أو تأكيداً لها، أو خبراً لها على أنها مبتدأ.
كما تقدم تحريره.
وأن يكون شرطاً، والعامل فيه إما مقدر، وإما فعلها الذي يليها، كما تقدّم في نظيرتها.
وقال الزمخشري :" ويجوز أن ينتصب بـ " خافضة رافعة " أي تخفض وترفع وقت رجِّ الأرض وبس الجبال ؛ لأنه عند ذلك يخفض ما هو مرتفع، ويرفع ما هو منخفض ".
قال أبو حيَّان :" ولا يجوز أن ينتصب بهما معاً، بل بأحدهما، لأنه لا يجوز أن يجتمع مؤثران على أثر واحد ".
قال شهاب الدِّين : معنى كلامه أن كلاًّ منهما متسلّط عليه من جهة المعنى، وتكون المسألة من باب التنازع، وحينئذ تكون العبارةُ صحيحة، إذ يصدق أن كلاًّ منهما عامل فيه، وإن كان على التَّعاقُب.
والرَّج : التحريك الشديد بمعنى زلزلت.
قال مجاهد وغيره : يقال : رجَّه يرُجُّه رجًّا، أي : حرّكه وزلزله.
وناقة رجاء : أي عظيمة السّنام.
والرَّجْرجَة : الاضطراب.
وارتجّ البحر وغيره : اضطرب.
وفي الحديث :" مَنْ ركِبَ البَحْرَ حينَ يَرتجُّ فلا ذمَّة لهُ ".
يعني : إذا اضطربت أمواجه.
قال الكلبي : وذلك أن الله - تعالى - إذا أوحى إليها اضطربت فرقاً من الله تعالى.
قال المفسرون : ترتج كما يرتجّ الصبي في المهد حتى ينهدم ما عليها، وينكسر كل شيء عليها من الجبال وغيرها.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما : الرَّجَّة : الحركة الشديدة يسمع لها صوت.
٣٧٣
قوله :﴿وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسّاً﴾.
أي : سيرت، من قولهم : بسَّ الغنم، أي : ساقها.
وأبْسَسْتُ الإبل أبُسُّهَا بَسَّاً، وأبْسَسْتُ وبَسِسْتُ لغتان إذا زجرتها وقلت : بَسْ بَسْ.
قاله أبو زيد.
أو بمعنى " فُتّت "، كقوله :﴿يَنسِفُهَا رَبِّي نَسْفاً﴾ [طه : ١٠٥]، ويدل عليه :﴿فَكَانَتْ هَبَآءً مُّنبَثّاً﴾.
قال ابن عباس ومجاهد : كما يبسّ الدقيق، أي : يُلتّ.
والبَسِيْسَةُ : السَّويقُ أو الدقيق يُلَتُّ بالسَّمن أو الزيت، ثم يؤكل ولا يطبخ، وقد يتخذ زاداً.
قال الراجز :[الرجز] ٤٦٧٠ - لا تَخْبِزَا خُبْزاً وبُسَّا بَسَّا
ولا تُطِيْلا بِمُنَاخٍ حَبْسَا
جزء : ١٨ رقم الصفحة : ٣٧٢
وقال الحسن :" وبسّت " قلعتْ من أصلها فذهبت، ونظيرها : يَنْسِفُهَا ربِّي نسفاً وقال عطية : بُسِطَتْ كالرَّمل والتراب.
وقال مجاهد : سالت سيلاً.
وقال عكرمة : هدّت.
وقرأ زيد بن علي :" رجَّت "، و " بَسَّت " مبنيين للفاعل.
على أن " رَجَّ " و " بَسَّ " يكونان لازمين ومتعديين، أي : ارتجت وذهبت.
قوله :﴿فَكَانَتْ هَبَآءً مُّنبَثّاً﴾.
قرأ النَّخعي ومسروق وأبو حيوة :" منبتًّا " بنقطتين من فوق، أي : منقطعاً من البَتِّ.
٣٧٤
ومعنى الآية لا ينبو عنه.
قال علي رضي الله عنه : الهباء المُنْبَثّ : الرَّهجُ الذي يسطع من حوافر الخيل ثم يذهب، فجعل الله تعالى أعمالهم كذلك.
وقال مجاهد :" الهَبَاء " : الشعاع الذي يكون في الكُوة كهيئة الغُبَار، وروي نحوه عن ابن عباس.
وعنه أيضاً : أنه ما تطاير من النَّار إذا اضطربت يطير منها شرر فإذا وقع لم يكن شيئاً.
وقال عطية :" المنبث " : المتفرق، قال تعالى :﴿وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَآبَّةٍ﴾ [البقرة : ١٦٤] أي : فرق ونشر.
قوله :﴿وَكُنتُمْ أَزْوَاجاً ثَلاَثَةً﴾.
أي : أصنافاً ثلاثة، كل صنف يشاكل كل ما هو منه كما يشاكل الزوج الزوجة، ثم بين من هم، فقال :﴿فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ﴾، ﴿وَأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ﴾، ﴿وَالسَّابِقُونَ﴾.
قوله :﴿فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَآ أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ﴾.
" أصحاب " الأول مبتدأ، و " ما " استفهامية - فيه تعظيم - مبتدأ ثاني، و " أصحاب " الثاني خبره، والجملة خبر الأول، وتكرار المبتدأ الأول هنا بلفظه مغنٍ عن الضمير، ومثله :﴿الْحَاقَّةُ مَا الْحَآقَّةُ﴾ [الحاقة : ١، ٢]، ﴿الْقَارِعَةُ مَا الْقَارِعَةُ﴾ [القارعة : ١، ٢] ولا يكون ذلك إلا في مواضع التَّعظيم.
فإن قيل : إن " ما " نكرة وما بعدها معرفة، فكان ينبغي أن يقال :" ما " خبر مقدم، و " أصحاب " الثاني وشبهه مبتدأ ؛ لأن المعرفة أحق بالابتداء من النكرة ؟ وهذا السؤال واردٌ على سيبويه في مثل هذا.
وفي قولك :" كَمْ مالك، ومرَرْتُ بِرَجُلٍ خَيْرٍ منهُ أبُوه " فإنه يعرب " ما " الاستفهامية، و " كم " و " أفعل " مبتدأ وما بعدها خبرها.
٣٧٥


الصفحة التالية
Icon