وهذه القراءة تحتمل وجهين : أحدهما : أن يكون نصباً كقراءة عبد الله وأبيٍّ.
وأن يكون جرًّا كقراءة الأخوين ؛ لأن هذين الاسمين لا يتصرَّفان، فهما محتملان للوجهين.
وتقدم الكلام في اشتقاق العين.
" كأمْثَال " : صفة، أو حال.
و " جزاءً " : مفعول من أجله، أو مصدر، أي : يحزون جزاء.
فصل في تفسير الآية قال المفسرون :" حورٌ " بيض، " عينٌ " ضخام الأعين، ﴿كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ﴾ أي المخزون في الصدف لم تمسّه الأيدي، ولم يقع عليه الغبار، فهو أشدّ ما يكون صفاء.
وقوله :﴿جَزَآءً بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ﴾.
قالت المعتزلة : هذا يدلُّ على أن يقال : الثواب واجب على الله - تعالى - لأن الجزاء لا يجوز الإخلال به.
وأجيبوا بأنه لو صح ما ذكروا لما كان في الوعد بهذه الأشياء فائدة ؛ لأن العقل إذا حكم بأن ترك الجزاء قبيح، وعلم بالعقل أن القبيح من الله تعالى لا يوجد، علم أن الله تعالى يعطي هذه الأشياء، لأنها أجزية، وإيصال الثَّواب واجب، وأيضاً فكان لا يصح التمدّح به.
قوله :﴿لاَ يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً وَلاَ تَأْثِيماً﴾.
قال ابن عبَّاس : باطلاً وكذباً.
و " اللَّغْو " : ما يلغى من الكلام.
و " التأثيم " : مصدر أثمته، أي : قلت له : أثمت.
قال محمد بن كعب :" ولا تأثيماً "، أي : لا يؤثم بعضهم بعضاً.
وقال مجاهد :﴿لا يسمعون فيها لغواً ولا تأثيماً﴾ : شتماً ولا مأثماً.
قوله :" إلاَّ قيلاً "، فيه قولان :
٣٩٣
أحدهما : أنه استثناء منقطع، وهذا واضح ؛ لأنه لم يندرج تحت اللغو والتأثيم.
والثاني : أنه متصل.
وفيه بعد، وكأن هذا رأى أن الأصل : لا يسمعون فيها كلاماً، فاندرج عنده فيه.
وقال مكّي : وقيل : منصوب بـ " يَسْمَعُون ".
وكأنه أراد هذا القول.
قوله :﴿سَلاَماً سَلاَماً﴾.
فيه أوجه : أحدها : أنه بدل من " قيلاً " أي : لا يسمعون فيها إلا سلاماً سلاماً.
الثاني : أنه نعت لـ " قيلاً ".
الثالث : أنه منصوب بنفس " قيلاً "، أي : إلاَّ أن يقولوا : سلاماً سلاماً، وهو قول الزَّجَّاج.
الرابع : أن يكون منصوباً بفعل مقدّر، ذلك الفعل محكيّ بـ " قيلاً " تقديره : إلا قيلاً سلموا سلاماً.
وقرئ :" سلامٌ " بالرفع.
قال الزمخشري :" على الحِكايَةِ ".
قال مكي :" ويجوز أن يكون في الكلام الرفع على معنى " سلام عليكم " ابتداء وخبر " وكأنه لم يعرفها قراءة.

فصل في معنى الآية معنى " قيلاً سلاماً " أي : قولاً سلاماً.


وقال عطاء : يُحَيِّي بعضهم بعضاً بالسَّلام.
قال القرطبي :" والسَّلام الثاني بدل من الأول، والمعنى : إلا قيلاً يسلم فيه من اللغو، وقيل : تحييهم الملائكة، أو يحييهم ربهم عزَّ وجلَّ ".
وكرَّر السَّلام إشارة إلى كثرة السلام عليهم، ولهذا لم يكرر قوله :﴿سَلاَمٌ قَوْلاً مِّن رَّبٍّ رَّحِيمٍ﴾ [يس : ٥٨].
و " القيل " مصدر كالقول.
٣٩٤
قال ابن الخطيب : فيكون " قيلاً " مصدراً، لكن لا نظير له في " باب " فعل يفعل من الأجوف.
وقيل : إنه اسم، والقول مصدر.
جزء : ١٨ رقم الصفحة : ٣٧٢
قوله تعالى :﴿وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَآ أَصْحَابُ الْيَمِينِ﴾.
رجع إلى ذكر أصحاب الميمنة، والتكرير لتعظيم شأن النَّعيم.
فإن قيل : ما الحكمة في ذكرهم بلفظ " أصحاب الميمنة " عند تقسيم الأزواج الثلاثة ؟ فلفظ أصحاب الميمنة " " مَفْعَلَة " إمَّا بمعنى موضع اليمين [كالحكمة موضع الحكم، أي : الأرض التي فيها " اليمن "، وإمَّا بمعنى موضع اليمين] كالمنارة موضع النار، والمِجْمَرة موضع الجمرة، وكيفما كان، فالميمنة فيها دلالة على الموضع، لكن الأزواج الثلاثة في أول الأمر يتميزون بعضهم عن بعض ويتفرَّقون، لقوله تعالى :﴿يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ﴾ [الروم : ١٤]، وقال :﴿يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ﴾ [الروم : ٤٣] فيتفرقون بالمكان، فأشار إليهم في الأول بلفظ يدلّ على المكان، ثم عند الثواب وقع تفريقهم بأمر منهم لا بأمر هم فيه وهو المكان، فقال :" وأصْحَابُ اليَمِينِ " أي الذين يأخذون كتبهم بأيمانهم.
وقيل : أصحاب القوة.
وقيل : أصحاب النور.
قوله :﴿فِي سِدْرٍ مَّخْضُودٍ﴾.
قال ابن عبَّاس وغيره :﴿فِي سِدْرٍ مَّخْضُودٍ﴾ أي : في نَبْق قد خُضِدَ شَوْكُه.
وذكر ابن المبارك قال : أخبرنا صفوان عن سليم بن عامر عن أبي أمامة، قال : كان أصحاب النبي ﷺ يقولون : إنه لينفعنا الأعراب ومسائلهم، قال :" أقبل أعرابي يوماً، فقال : يا رسول الله : لقد ذكر الله شجرة في القرآن مُؤذية، وما كنت أرى في الجنة شجرة تؤذي صاحبها ؟.
٣٩٥


الصفحة التالية
Icon