فقال رسول الله ﷺ : ومَا هِيَ ؟.
قال : السِّدْر، فإن له شوكاً مؤذياً، فقال رسول الله ﷺ :" أو لَيْسَ يقولُ :" سِدْرٌ مخْضُودٌ " خضد الله شوكه، فجعل مكان كل شوكة ثمرة، فإنها تنبت ثمراً، يفتق الثمر منها عن اثنين وسبعين لوناً من الطعام، ما فيه لون يشبه الآخر ".
وقال أبو العالية والضحاك : نظر المسلمون إلى " وجٍّ " - وهو واد بـ " الطائف " مخصب - فأعجبهم سدره، فقالوا : يا ليت لنا مثل هذه، فنزلت.
قال أمية بن أبي الصَّلت رضي الله عنه يصف الجنَّة :[الكامل] ٤٦٨٧ - إنَّ الحَدَائِقَ في الجِنَانِ ظَليلَةٌ
فِيهَا الكَواعِبُ سِدْرُهَا مَخْضُودُ
جزء : ١٨ رقم الصفحة : ٣٩٥
وقال الضحاك ومجاهد ومقاتل بن حيان :" في سدر مخضود " هو الموقر حملاً.
وقال سعيد بن جبير : ثمرها أعظم من القلال.
قوله :﴿وَطَلْحٍ مَّنضُودٍ﴾.
و " الطَّلْحُ " : جمع الطَّلحة.
قال علي وابن عباس وأكثر المفسرين : الطَّلْح : شجر الموز، واحده طلحة.
وقال الحسن : ليس موزاً، ولكنه شجر له ظل بارد رطب.
وقال الفرَّاء وأبو عبيدة : شجر عظام له شوك.
قال الجعديُّ :[الرجز] ٤٦٨٨ - بَشَّرها دليلُها وقَالاَ
غَداً تَريْنَ الطَّلْحَ والحِبَالا
فـ " الطَّلْح " : كل شجر عظيم كثير الشوك.
٣٩٦
وقال الزجاج : هو شجر أم غيلان.
وقال مجاهد : ولكن ثمرها أحلى من العسل.
وقال الزجاج : لها نور طيب جدًّا فخوطبوا ووعدوا بما يحبون مثله إلاَّ أن فضله على ما في الدنيا كفضل سائر ما في الجنة على ما في الدنيا.
وقال السُّدي : طلح الجنة يشبه طلح الدنيا، لكن له ثمر أحلى من العسل.
وقوله :" مَنْضُودٍ ".
أي متراكب.
قال المفسرون : موقور من الحمل حتى لا يبين ساقه من كثرة ثمره، وتثني أغصانه.
وقرأ علي - رضي الله عنه - وعبد الله، وجعفر بن محمد :" وطَلْعٍ " بالعين، لقوله تعالى :﴿طَلْعُهَا هَضِيمٌ﴾ [الشعراء : ١٤٨].
ولما قرأ عليٌّ - رضي الله عنه - قال :" وما شأن الطَّلْح " واستدل بقوله ﴿لَّهَا طَلْعٌ نَّضِيدٌ﴾ [ق : ١٠]، فقيل : أنحولها ؟ فقال : لا ينبغي أن يُهَاج القرآن اليوم ولا يحوَّل.
فقد اختار هذه القراءة، ويروى عن ابن عباس مثله.
قال القرطبي :" فلم ير إثباتها في المصحف لمخالفة ما رسمه مجمع عليه، قاله القشيري وأسنده أبو بكر بن الأنباري بسنده إلى عليٍّ رضي الله عنه ".
فصل في المراد بالآية قال ابن الخطيب : المخضود : المأخوذ الشوك.
وقيل : المتعطف إلى أسفل، فإن رءوس أغصان السِّدر في الدنيا تميل إلى فوق لعدم ما يثقله بخلاف أشجار الجنة فإن رءوسها تتدلَّى.
والظاهر : أن الطَّلح شجر الموز، وذكر طرفين ليندرج ما بينهما، فإن ورق السِّدْر صغير، وورق الطلح وهو الموز كبير، وبينهما أنواع من الأوراق متوسطة كما ذكر في النخل والرمان، كقولهم : فلان يرضي الصغير والكبير، فيدخل ما بينهما.
و " المَنْضُود " : المتراكب الذي قد نضد أوله وآخره بالحمل، ليست له سوقٌ بارزة، بل هو مرصوص.
٣٩٧
و " النّضد " : هو الرَّص، و " المنضود " : المرصوص.
قال مسروق : أشجار الجنة من عروقها إلى أفنانها نضيدة، ثمر كله كلما أكلت ثمرة عاد مكانها أحسن منها.
قوله :﴿وَظِلٍّ مَّمْدُودٍ﴾.
أي : دائم باقٍ لا يزول، ولا تنسخه الشمس، كقوله تعالى :﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ﴾ [الفرقان : ٤٥].
وذلك بالغداةِ، وهي ما بين الإسفار إلى طلوع الشمس، والجنة كلها ظل لا شمس معه.
قال ابن الخطيب : إنَّ الشمس إذا كانت تحت الأرض يقع ظلها في الجو، فيتراكم الظل فيسودّ وجه الأرض، وإذا كانت الشمس في أحد جانبي الأرض من الأفق، فينبسط الظل على وجه الأرض، فيضيء الجو ولا يسود وجه الأرض، فيكون في غاية الطيبة، فقوله :﴿وَظِلٍّ مَّمْدُودٍ﴾ أي : كالظل بالليل، وعلى هذا فالظل ليس ظل الأشجار، بل ظل يخلقه الله تعالى.
وقال الربيع بن أنس : يعني ظل العرش.
وقال عمرو بن ميمون : مسيرة سبعين ألف سنة.
وقال أبو عبيدة : تقول العرب للدهر الطويل [والعمر الطويل] والشيء الذي لا ينقطع : ممدود.
قال الشاعر :[الكامل] ٤٦٨٩ - غَلَبَ العَزَاءُ وكُنْتُ غَيْرَ مغَلَّبٍ
دَهْرٌ طويلٌ دائمٌ مَمْدُودُ
جزء : ١٨ رقم الصفحة : ٣٩٥
وفي " صحيح الترمذي " وغيره عن أبي هريرة عن النبي ﷺ أنه قال :" في الجَنَّة شَجَرةٌ يسيرُ الرَّاكِبُ في ظلِّها مائة عامٍ، لا يَقْطَعُهَا، اقرءوا إن شِئْتُم :﴿وَظِلٍّ مَّمْدُودٍ﴾ ".
٣٩٨