وهذا الحديث يرد قول ابن الخطيب من أنه ليس ظل الأشجار.
قوله :﴿وَمَآءٍ مَّسْكُوبٍ﴾.
أي : مصبوب بكثرة.
وقيل : جارٍ لا ينقطع.
وأصل السَّكْب : الصَّب، يقال : سَكَبَهُ سَكْباً، والسكوب : انصبابه، يقال : سَكَبَ سُكُوباً.
وانصب انسكب انسكاباً.
ومعنى الآية : وماء مصبوب يجري في غير أخدود لا ينقطع عنهم.
قال ابن الخطيب : معناه : مسكوب من فوق ؛ لأن أكثر ماء العرب من الآبار والبرك فلا ينسكب.
وقيل : جارٍ في غير أخدود [بأبحر] الهواء.
وكانت العرب أصحاب بادية، [وبلادها] حارة، وكانت الأنهار في بلادهم عزيزة لا يصلون إلى الماء إلا بالدَّلو والرِّشاء، فوعدوا في الجنة خلاف ذلك.
قوله :﴿وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ﴾.
قرئ : برفع " فاكِهَةٌ ".
أي : وهناك، أو ولهم، أو فيها، أو وثمَّ فاكهة.
قال ابن الخطيب : لما ذكر الأشجار التي يطلب منها ورقها، وذكر بعدها الأشجار التي يقصد بها ثمرها، ذكر الفاكهة بعد ذكر الأشجار انتقالاً من نعمة إلى نعمة، ووصفت بالكثرة دون الطيب واللذة ؛ لأن الفاكهة تدل عليها.
قوله :" لا مقطوعةٍ ".
فيه وجهان : أظهرهما : أنه نعت لـ " فاكهة "، و " لا " للنَّفي، كقولك :" مررت برجل لا طويل ولا قصير " ولذلك لزم تكرارها.
٣٩٩
والثاني : هو معطوف على " فاكهة "، و " لا " عاطفة.
قاله أبو البقاء.
وحينئذ لا بد من حذف موصوف، أي : لا فاكهة مقطوعة، لئلاَّ تعطف الصفة على موصوفها.
والمعنى : ليست كفواكه الدُّنيا تنقطع في أوقت كثيرة، وفي كثير من المواضع، " ولا ممنوعة " أي : لا تمنع من الناس لغلوّ أثمانها.
وقيل : لا يحظر عليها كثمار الدنيا.
وقيل : لا تمنع من أرادها بشوك، ولا بُعد ولا حائط، بل إذا اشتهاها العبد دنت منه حتى يأخذها، قال تعالى :﴿وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلاً﴾ [الإنسان : ١٤].
قوله :﴿وَفُرُشٍ مَّرْفُوعَةٍ﴾.
العامة : على ضم الراء، جمع :" فِرَاش ".
وأبو حيوة : بسكونها، وهي مخففة من المشهورة.
و " الفُرُش " : قيل : هي الفراش المعهُودة، مرفوعة على الأسرة.
وقيل : هي كناية عن النساء كما كنى عنهن باللِّباس، أي : ونساء مرتفعات الأقدار في حسنهن وكمالهن، والعرب تسمي المرأة فراشاً ولباساً وإزاراً، قاله أبو عبيدة وغيره.
قالوا : ولذلك أعاد الضمير عليهن [في قوله] :" إنَّا أنْشَأناهُنّ ".
وأجاب غيرهم بأنه عائد على النساء الدَّال عليهن الفراش.
وقيل : يعود على الحور المتقدمة.
وعن الأخفش :" هُنّ " ضمير لمن لم يجر له ذكر، بل يدل عليه السياق.
وقيل : مرفوعة القدر، يقال : ثوب رفيع أي :[عزيز] مرتفع القدر والثمن، بدليل قوله تعالى :﴿مُتَّكِئِينَ عَلَى فُرُشٍ بَطَآئِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ﴾ [الرحمن : ٥٤] فكيف ظهائرها ؟ وقيل : مرفوعة بعضها فوق بعض.
" وروى التِّرمذي عن أبي سعيد عن النبي ﷺ في قوله تعالى :﴿وَفُرُشٍ مَّرْفُوعَةٍ﴾ قال :" ارْتفَاعُهَا كما بَيْنَ السَّماءِ والأرْضِ مَسِيرةَ خَمْسمائة عامٍ " قال : حديث غريب ".
٤٠٠
قوله :﴿إِنَّآ أَنشَأْنَاهُنَّ﴾.
قيل : الضَّمير يعود (على) الحُور العين، أي : خلقناهن من غير ولادة.
وقيل : المراد نساء بني آدم خلقناهنَّ خلقاً جديداً، وهو الإعادة، أي أعدناهنّ إلى حال الشَّباب، وكمال الجمال، ويرجحه قوله :﴿فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَاراً﴾ لأن المخلوقة ابتداء معلوم أنها بكر.
والمعنى أنشأنا العجوز والصَّبية إنشاء، وأخرن، ولم يتقدم ذكرهنّ ؛ لأنَّهن قد دخلن في أصحاب اليمين، ولأن الفُرش كناية عن النساء كما تقدم.
وروي عن النبي ﷺ في قوله تعالى :﴿إِنَّآ أَنشَأْنَاهُنَّ إِنشَآءً﴾ قال :" مِنهُنَّ البِكرُ والثَّيِّبُ ".
" وروى النحاس بإسناده عن أم سلمة سألت النبي ﷺ عن قوله تعالى :﴿إِنَّآ أَنشَأْنَاهُنَّ إِنشَآءً فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَاراً عُرُباً أَتْرَاباً﴾، فقال :" يا أمَّ سلمة، هُنَّ اللَّواتِي قُبِضْنَ في الدُّنيا عَجَائِزَ، شُمْطاً، عُمْشاً، رُمْصاً، جعلهُنَّ اللَّهُ بعد الكبر أتْرَاباً على ميلادٍ واحدٍ في الاستواءِ ".
وروى أنس بن مالك، يرفعه في قوله :﴿إِنَّآ أَنشَأْنَاهُنَّ إِنشَآءً﴾ قال :" هُنَّ العجائزُ العُمْشُ، الرُّمص، كُنَّ في الدُّنيا عُمْشاً رُمْصاً ".
وعن المسيب بن شريك :" قال النبي ﷺ في قوله تعالى :﴿إِنَّآ أَنشَأْنَاهُنَّ إِنشَآءً فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَاراً عُرُباً أَتْرَاباً﴾، قال :" هُنَّ عجائزُ الدُّنيا، أنشَأهُنَّ الله تعالى خلقاً جديداً، كُلَّما أتَاهُنَّ أزواجهُنَّ وجدُوهُنَّ أبْكاراً " فلما سمعت عائشة بذلك قالت : واوجعاه، فقال النبي ﷺ :" لَيْسَ هُناكَ وجعٌ ".
٤٠١