وعن الحسن قال :" أتت عجوز النبي ﷺ فقالت : يا رسول الله ادعُ الله أن يدخلني الجنة، فقال :" يَا أم فُلانٍ، الجنَّةُ لا يدخُلهَا عَجُوزٌ "، قال : فولَّت تبكي، فقال : أخْبرُوهَا أنَّهَا لا تدخُلهَا وهيَ عجُوزٌ، إنَّ الله تعالى يقُولُ :﴿إِنَّآ أَنشَأْنَاهُنَّ إِنشَآءً فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَاراً﴾ ".
قوله :" عُرُباً ".
جمع " عَرُوب " كـ " صَبُور، وصُبُر "، والعَرُوب : المحببة إلى بعلها، واشتقاقه من " أعرب " إذا بين.
فالعروب : تبين محبتها لزوجها بشكل وغُنْج وحسن كلام.
قاله عكرمة وقتادة.
وقيل : الحسناء.
وقيل : المحسِّنة لكلامها.
وقرأ حمزة، وأبو بكر : بسكون الراء.
وهذا كـ " رُسُل ورُسْل، وفُرُش وفُرْش ".
وقال ابن عباس رضي الله عنهما : هنّ العواشق.
وأنشد للبيد :[البسيط] ٤٦٩٠ - وفِي الخُدُورِ عرُوبٌ غَيْرُ فَاحِشَةٍ
رَيَّا الرَّوادفِ يَغْشَى دُونهَا البَصَرُ
جزء : ١٨ رقم الصفحة : ٣٩٥
ويروى :[البسيط]
٤٠٢
٤٦٩١ - وفِي الجِنَانِ عَرُوبٌ غَيْرُ فَاحِشَةٍ
ريَّا الرَّوادفِ يَغْشَى ضَوؤهَا البَصَرَا
وعن ابن عباس ومجاهد وغيرهما : العُرُب، العواشق لأزواجهن.
وعن عكرمة : العَرُوبة : الغَنِجَة.
قال ابن زيدٍ : بلغة أهل " المدينة "، وأنشد بيت لبيد، وهي الشَّكِلة بلغة أهل " مكّة ".
" وروى جعفر بن محمد عن أبيه عن جدّه، قال : قال رسول الله ﷺ في قوله تعالى :" عُرُباً " قال :" كلامُهنَّ عَربيٌّ ".
وعن ابن عبَّاس رضي الله عنهما :" العَرُوب " الملقة.
قوله :" أتْرَاباً " جمع " ترْب "، وهو المساوي لك في سنّك لأنه يمسّ جلدها التراب في وقتٍ واحد، وهو آكد في الائتلاف، وهو من الأسماء التي لا تتعرف بالإضافة ؛ لأنه في معنى الصفة ؛ إذ معناه " مساويك "، ومثله :" خِدنُك " لأنه في معنى صاحبك.
قال القرطبي :" سنّ واحد، وهو ثلاث وثلاثون سنة، يقال في النساء : أتْرَاب، وفي الرجال : أقْرَان، وكانت العرب تميل إلى من جاوزت حدّ الصِّبا من النساء، وانحطَّت عن الكبر ".
وقال مجاهد : الأتْراب : الأمثال والأشكال.
وقال السُّدي : أتراب في الأخلاق لا تباغض بينهن ولا تحاسُد.
وروى أبو هريرة عن النبي ﷺ قال :" يَدْخلُ أهْلُ الجنَّةِ الجنَّة جُرْداً مُرْداً، جعَاداً، مكحَّلينَ، أبْناءَ ثلاثِينَ على خَلْقِ آدَمَ طُولهُ سِتُّونَ ذِرَاعاً في سبعةِ أذْرُعٍ ".
٤٠٣
وعنه - عليه الصلاة والسلام - قال :" مَنْ مَاتَ مِنْ أهْلِ الجنَّةِ من صغيرٍ وكبيرٍ دُون بَنِي ثلاثِيْن سنةً في الجنَّةِ، لا يزيدُون عليْهَا أبداً، وكذلكَ أهْلُ النَّارِ ".
قوله :﴿لأَصْحَابِ الْيَمِينِ﴾.
في هذه " اللام " وجهان : أحدهما : أنها متعلقة بـ " أنْشَأْنَاهُنَّ " أي لأجل أصحاب اليمين.
والثاني : أنها متعلقة بـ " أتْرَاباً " كقولك : هذا تربٌ لهذا، أي : مُسَاو له.
وقيل : الحور العين : للسَّابقين، والأتْرَاب العُرُب : لأصحاب اليمين.
قوله :﴿ثلة من الأولين، وثلة من الآخرين﴾.
رجع الكلام إلى قوله تعالى :﴿وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَآ أَصْحَابُ الْيَمِينِ﴾ [الواقعة : ٢٧] أي هم ثلة من الأولين، وثلة من الآخرين، وقد مضى الكلام في معناه.
وقال أبو العالية، ومجاهد، وعطاء بن أبي رباح والضحاك :﴿ثُلَّةٌ مِّنَ الأَوَّلِينَ﴾ يعني : من سابقي هذه الأمة، ﴿وَثُلَّةٌ مِّنَ الآخِرِينَ﴾ من هذه الأمة من آخرها.
بدليل ما روي عن ابن عباس في هذه الآية :﴿ثلة من الأولين، وثلة من الآخرين﴾، فقال النبي ﷺ :" جَمِيعاً مِنْ أمَّتِي ".
وقال الواحدي :" أصحاب الجنة نصفان : نصف من الأمم الماضية، ونصف من هذه الأمة ".
ويرد هذا ما روى ابن ماجه في " سننه " والترمذي في " جامعه " عن بريدة بن الحصيب قال : قال رسول الله ﷺ :" أهْلُ الجنَّةِ عِشْرُونَ ومائة صنف، ثمانُون منْهَا من هذهِ الأمَّةِ، وأربعُونَ من سَائِرِ الأمَمِ ".
قال الترمذي : هذا حديث حسن.
و " ثُلَّةٌ " رفع على الابتداء، أو على حذف خبر حرف الصفة، ومجازه : لأصحاب اليمين ثلَّتان : ثلّة من هؤلاء، وثلّة من هؤلاء.
٤٠٤
فالأوَّلُون : الأمم الماضية، والآخرون : هذه الأمة على قول الواحدي.
جزء : ١٨ رقم الصفحة : ٣٩٥