وقال الضحاك وابن كيسان : هو من الغرم.
و " المُغْرَم " : الذي ذهب ماله بغير عوضٍ، أي : غرمنا الحبَّ الذي بذرناه.
وقال مرة الهمداني : مُحَاسَبُون.
قوله :﴿بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ﴾.
أي : حرمنا ما طلبنا من الريع، والمحروم المحدود الممنوع من الرِّزق، والمحروم ضد المرزوق.
قاله قتادة.
وعن أنس " أنَّ النبي ﷺ مرَّ بأرض الأنصار، فقال :" ما يمنَعُكمُ الحَرْث " ؟ قالوا : الجُدوبة، فقال :" لا تَفْعَلُوا، فإنَّ الله - تعالى - يقولُ : أنَا الزَّارعُ، إن شِئْتُ زرعْتُ بالماءِ، وإن شِئْتُ زرعْتُ بالرِّيحِ، وإن شِئْتُ زرعتْ بالبَذْرِ "، ثم تلا :﴿أَفَرَأَيْتُم مَّا تَحْرُثُونَ، أَأَنتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ﴾ ".
قال القرطبي :" وفي هذا الحديث والذي قبله ما يصحح قول من أدخل الزَّارع في أسماء الله - تعالى - " وأباه جمهور العلماء.
جزء : ١٨ رقم الصفحة : ٤١٨
قوله :﴿أَفَرَأَيْتُمُ الْمَآءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ﴾.
لتحيوا به أنفسكم، وتسكنوا به عطشكم.
﴿أَأَنتُمْ أَنزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ﴾.
أي : السحاب، وهو اسم جنس، واحدهُ : مزنة.
قال :[المتقارب] ٤٦٩٩ - فَلاَ مُزْنَةٌ ودَقَتْ ودقَهَا
ولا أرْضَ أبْقَلَ إبْقالَهَا
وعن ابن عباس ومجاهد وغيرهما أيضاً والثوري : المُزْن : السَّماء والسَّحاب.
وقال أبو زيد : المُزنة : السحابة البيضاء، والجمع مزن.
والمُزْنة : المطرة.
٤٢٣
قال :[الطويل] ٤٧٠٠ - ألَمْ تَرَ أنَّ اللَّهَ أنْزَلَ مُزْنَةً
وعُفْرُ الظِّباءِ في الكناسِ تَقَمَّعُ
وقوله :﴿أَمْ نَحْنُ الْمُنزِلُونَ﴾.
أي : إذا عرفتم بأني أنزلته فلم لا تشكروني بإخلاص العبادة لي، ولم تنكروا قُدرتي على الإعادة ؟.
وقوله :﴿لَوْ نَشَآءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجاً﴾.
وقد تقدم عدم دخول " اللام " في جواب " لو " هذه.
وقال الزمخشري :" فإن قلت : لم دخلت " اللام " في جواب " لو " في قوله :" لجعلناه حطاماً "، ونزعت منه هاهنا ؟.
قلت : إن " لو " لما كانت داخلة على جملتين معلقة ثانيتهما بالأولى تعلق الجزاء بالشَّرط، ولم تكن مخلصة للشرط كـ " إن " و " لا " عاملة مثلها، وإنما سرى فيها معنى الشرط اتفاقاً من حيث إفادتها في مضمون جملتين أن الثَّاني امتنع لامتناع الأول افتقرت في جوابها إلى ما ينصب علماً على هذا التعلق فزيدت هذه " اللام " لتكون علماً على ذلك، فإذا حذفت بعد ما صارت علماً مشهوراً مكانه، فلأن الشيء إذا علم وشهر موقعه، وصار مألوفاً ومأنوساً به لم يبال بإسقاطه عن اللفظ استغناء بمعرفة السَّامع.
ألا ترى ما يحكى عن رؤبة، أنَّه كان يقول : خيرٍ، لمن قال له : كيف أصبحت ؟ فحذف الجار لعلم كل أحد بمكانه، وتساوي حال إثباته وحذفه لشهرة أمره، وناهيك بقول أوس :[السريع] ٤٧٠١ - حَتَّى إذا الكَلاَّبُ قال لَهَا
كاليَوْمِ مَطْلُوباً ولا طَلَبَا
وحذفه :" لَمْ أرَ " فإذاً حذفها اختصار لفظي، وهي ثابتة في المعنى، فاستوى الموضعان بلا فرق بينهما، على أن تقدم ذكرها والمسافة قصيرة، مُغْنٍ عن ذكرها ثانياً، ويجوز أن يقال : إن هذه " اللام " مفيدة معنى التَّوكيد لا محالة، فأدخلت في آية المطعوم دون آية المشروب للدلالة على أنّ أمر المطعوم مقدم على أمر المشروب، وأنَّ الوعيد بفقده أشد وأصعب من قبل أن المشروب إنما يحتاج إليه تبعاً للمَطْعُوم.
٤٢٤
ألا ترى أنك إنما تسقي ضيفك بعدما تطعمه، ولو عكست قعدت تحت قول أبي العلاء :[الوافر] ٤٧٠٢ - إذا سُقِيَتْ ضُيُوفُ النَّاسِ مَحْضاً
سَقَوْا أضْيافَهُمْ شَبَماً زلالا
جزء : ١٨ رقم الصفحة : ٤٢٣
وسقي بعض العرب فقال : أنا لا أشرب إلا على ثميلة ولهذا قدمت آية المطعوم على آية المشروب ".
انتهى.
وقد تقدم جواب ابن الخطيب له عن ذلك.

فصل في تفسير الآية قال ابن عبَّاس :" الأجاج " : المالح الشديد الملوحة.


وقال الحسن : مُرًّا لا تنتفعون به في شرب ولا زرع ولا غيرهما.
" فلولا " أي : فهلا " تشكرون " الذي صنع ذلك بكم.
جزء : ١٨ رقم الصفحة : ٤٢٣
قوله :﴿أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ﴾.
أي : أخبروني عن النَّارِ التي تظهرونها بالقَدْحِ من الشجر الرطب.
و " تُوُرون " : من أوريت الزند، أي : قدحته فاستخرجت ناره، وورى الزند يري أي : خرجت ناره، وأصل " تُورُون " توريون.
والشَّجرة التي يكون منها الزناد هي المَرْخُ والعفار.
ومنه قولهم :" فِي كُلِّ شجرٍ نارٌ، واستَمْجدَ المَرْخُ والعَفَارُ ".
أي : استكثروا منها، كأنهما أخذا من النَّار ما حسبهما.
وقيل : إنهما يسرعان الوَرْي.
قوله تعالى :﴿أَمْ نَحْنُ الْمُنشِئُونَ﴾.
أي : المخترعون الخالقون، أي : فإذا عرفتم قُدرتي، فاشكروني ولا تنكروا قدرتي على البعث.
قوله :﴿نَحْنُ جَعَلْنَاهَا تَذْكِرَةً﴾.
٤٢٥


الصفحة التالية
Icon