يعني : نار الدنيا موعظة للنار الكبرى.
قاله قتادة.
وقال مجاهد : تبصرة للناس من الظَّلام.
قال عليه الصلاة والسلام :" إنَّ نَاركُمْ هذه الَّتي توقدونها يا بني آدَمَ جزءٌ من سَبْعينَ جُزْءاً من نَارِ جهنَّم "، فقالوا : يا رسول الله إن كانت لكافية، قال :" فإنَّهَا فُضِّلتْ عليْها بِتسْعَةٍ وستينَ جزْءاً، كُلُّهن مثلُ حرِّها ".
قوله :﴿وَمَتَاعاً لِّلْمُقْوِينَ﴾.
يقال : أقوى الرَّجل إذا حلَّ في الأرض القواء، وهي القفر، كـ " أصحر " : دخل في الصحراء، وأقوت الدَّار : خلت من ذلك ؛ لأنها تصير قَفْراً.
قال النابغة :[البسيط] ٤٧٠٣ - يَا دَارَ مَيَّةَ بالعَلْيَاءِ فالسَّندِ
أقْوَتْ، فطال عليْهَا سالفُ الأمَدِ
قال الضحاك :" متاعاً للمقوين " أي منفعة للمسافرين، سموا بذلك لنزولهم القوى، وهي القفر التي لا شيء فيها، وكذلك القوى والقواء - بالمد والقصر -.
ومنزل قواء : لا أنيس به، يقال : أقوت الدار، وقويت أيضاً، أي خلته من سكانها.
قال :[الكامل] ٤٧٠٤ - حُيِّيتَ مِنْ طَلَلٍ تقَادمَ عَهْدُهُ
أقْوَى وأقْفَرَ بَعْدَ أمِّ الهَيْثَمِ
وقال مجاهد :" للمقوين " أي المنتفعين بها من الناس أجمعين في الطبخ والخبز والاصطلاء والاستضاءة، ويتذكر بها نار جهنم فيستجار بالله منها.
وقال ابن زيد : للجائعين في إصلاح طعامهم.
٤٢٦
يقال : أقويت منذ كذا وكذا، أي ما أكلت شيئاً، وبات فلان القواء وبات القَفْرَ، إذا بات جائعاً على غير طعم.
قال الشاعر :[الطويل] ٤٧٠٥ - وإنِّي لأخْتَارُ القَوَى، طاويَ الحَشَا
مُحافَظَةً مِنْ أن يُقالَ : لَئِيمُ
جزء : ١٨ رقم الصفحة : ٤٢٥
وقال قطرب : المقوي من الأضداد، يكون بمعنى الفقير، ويكون بمعنى الغني.
يقال : أقوى الرجل إذا لم يكن معه زادٌ، ويقال للفقير : مُقْوٍ إذا لم [يكن] معه مالٌ.
وتقول العربُ : أقويت منذ كذا، أي : ما أكلت شيئاً، وأقوى : إذا قويت دوابه، وكثر ماله ليقويه على ما يريد.
وقال المهدوي : والآية تصلح للجميع ؛ لأن النَّار يحتاج إليها المسافر والمقيم والغني والفقير.
وقال القشيري : وخصّ المسافر بالانتفاع بها ؛ لأنَّ انتفاعه أكثر من انتفاع المقيم ؛ لأنَّ أهل البادية لا بُدَّ لهم من النَّار يوقدونها ليلاً لتهرب منهم السِّباع، وفي كثير من حوائجهم.
قوله :﴿فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ﴾.
أي : فنزه الله عما أضافه إليه المشركون من الأنداد والعجز عن البعث.
قال ابن الخطيب : والمشهور أن الاسم مقحم، والأحسن أنه من باب الأولى، وأنَّ تعظيم المسمى آكد، وقد تقدم أن تعلُّق الفعل إن كان ظاهراً استغنى عن الحرف كـ " ضرب "، وإن كان خفيًّا قوي بالحرف كـ " ذهب "، وإن كان بينهما جاز الوجهان كـ " شَكَر ونَصَحَ ".
و " سَبِّحْ " متعد بنفسه إلاَّ أنه لما دخل على الاسم - والمراد الذَّات - خفي التعليق من هذا الوجه، فأتي بالحرف.
وأما قوله ﴿سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ﴾ [من سورة الأعلى].
فيحتمل أن ذلك لأنهم كانوا
٤٢٧
يعترفون بالله، ويقولون :" نحن لا نشرك " في المعنى، وإنما سمي الأصنام آلهة باللفظ، فقيل لهم : نزّهوا الاسم كما نزهتم الحقيقة، وعلى هذا فالخطاب ليس للنبي ﷺ بل هو كقول الواعظ : يا مسكين، أفنيت عمرك وما أصلحت عملك، ويريد السَّامع.
والمعنى مع الباء : فسبّح مبتدئاً باسم ربك، فلا تكون " الباء " زائدة.
ومعنى العظيم : القريب من الكل، فإن الصَّغير إذا قرب من شيء بعد عن غيره.
جزء : ١٨ رقم الصفحة : ٤٢٥
قوله :﴿فَلاَ أُقْسِمُ﴾.
قرأ العامة :" فَلاَ " لام ألف.
وفيه أوجه : أحدها : أنها حرف نفي، وأنَّ النفي بها محذوف، وهو كلام الكافر الجاحد، تقديره : فلا حجة لما يقول الكُفَّار، ثم ذكر ابتداء قسماً بما ذكر.
وإليه ذهب كثير من المفسِّرين والنحويين.
قال الفرَّاء :" هي نفي، والمعنى : ليس الأمر كما تقولون، ثم استأنف [القسم]، كما تقول :" لا والله ما كان كذا " ولا يريد به نفي اليمين، بل يريد به نفي كلام تقدم، أي : ليس الأمر كما ذكر، بل هو كذا ".
وضعِّف هذا بأن فيه حذف اسم " لا " وخبرها.
قال أبو حيَّان :" ولا يجوز ولا ينبغي، فإنَّ القائل بذلك مثل سعيد بن جبير تلميذ خبر القرآن وبحره عبد الله بن عباس.
ويبعد أن يقوله إلا بتوقيفٍ ".
الثاني : أنَّها زائدة للتأكيد.
والمعنى : فأقسم، بدليل قوله : وإنه لقسم، ومثله في قوله تعالى :﴿لِّئَلاَّ يَعْلَمَ﴾ [الحديد : ٢٩]، والتقدير : ليعلم.
٤٢٨
وكقوله :[الطويل]
٤٧٠٦ - فَلاَ وأبِي أعْدائِهَا لا أخُونُهَا
الثالث : أنها لام الابتداء، والأصل : فلأقسم، فأشبعت الفتحة، فتولّد منها ألف.
كقوله :[الرجز]
٤٧٠٧ - أعُوذُ باللَّهِ مِنَ العَقْرَابِ


الصفحة التالية
Icon