وعن سلمان الفارسي كذلك إلا أنه يكسر الهاء، اسم فاعل، أي : المطهرون أنفسهم، فحذف مفعوله.
ونافع وأبو عمرو في رواية عنهما، وعيسى بسكون الطاء، وفتح الهاء خفيفة اسم مفعول من " أطْهَر زيد ".
والحسن وعبد الله بن عوف وسلمان أيضاً :" المطَّهِّرون " بتشديد الطَّاء والهاء المكسورة، وأصله :" المُتطهرون " فأدغم.
وقد قرئ بهذا على الأصل أيضاً.
فصل في تحرير المسّ المذكور في الآية اختلفوا في المسّ المذكور في الآية، هل هو حقيقة في المس بالجارحة أو معنى ؟ وكذلك اختلفوا في المطهرون مَنْ هم ؟.
فقال أنس وسعيد بن جبير : لا يمسّ ذلك إلاَّ المطهرون من الذنوب وهم الملائكة.
وقال أبو العالية وابن زيد : هم الذين طهروا من الذنوب كالرّسل من الملائكة، والرسل من بني آدم.
وقال الكلبي : هم السَّفرة، الكِرَام البررة، وهذا كله قول واحد، وهو اختيار مالك.
وقال الحسن : هم الملائكة الموصوفون في سورة " عبس " في قوله تعالى :﴿فَي صُحُفٍ مُّكَرَّمَةٍ مَّرْفُوعَةٍ مُّطَهَّرَةٍ بِأَيْدِي سَفَرَةٍ كِرَامٍ بَرَرَةٍ﴾ [عبس : ١٣ - ١٦].
وقيل : معنى " لا يمسّه " لا ينزل به إلا المطهرون، يعني : الرسل من الملائكة على الرسل من الأنبياء، ولا يمس اللوح المحفوظ الذي هو الكتاب المكنون إلاَّ الملائكة المطهرون.
٤٣٦
ولو كان المراد طهر الحدث لقال : المتطهرون أو المطهرون بتشديد " الطاء ".
والصحيح أن المراد بالكتاب : المصحف الذي بأيدينا ؛ لما روى مالك وغيره : أن في كتاب عمرو بن حزم :" لا يمسّ القرآنَ إلاَّ طاهرٌ ".
وقال ابن عمر : قال النبي ﷺ :" لا تمسَّ القُرآنَ إلاَّ وأنْتَ طاهرٌ ".
وقالت أخت عمر لعمر عند إسلامه، وقد دخل عليها ودعا بالصحيفة :﴿لاَّ يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ﴾ فقام واغتسل، وأسلم.
وعلى هذا قال قتادة وغيره : معناه : لا يمسه إلا المطهّرون من الأحداث والأنجاس.
وقال الكلبي : من الشِّرْك.
وقال الربيع بن أنس : من الذنوب والخطايا.
وقال محمد بن فضيل وعبدة : لا يقرؤه إلا المطهرون، أي : إلاَّ الموحدون.
قال عكرمة : وكان ابن عباس ينهى أن يمكن اليهود والنصارى من قراءته.
وقال الفراء : لا يجد نفعه وطعمه وبركته إلا المطهرون، أي : المؤمنون بالقرآن، وقال الحسين بن الفضل : معناه : لا يعرف تفسيره وتأويله إلاَّ من طهَّره الله من الشِّرْك والنفاق.
وقال أبو بكر الورَّاقُ : لا يوفق للعمل به إلا السُّعداء.
وروى معاذ بن جبل عن النبي ﷺ أن المعنى : لا يمسّ ثوابه إلا المؤمنون.

فصل في مس المصحف لغير المتوضئ اختلف العلماء في مسِّ المصحف على غير وضوء.


فالجمهور على المَنْع من مسِّه على غير طهارة لحديث عمرو بن حزم، وهو مذهب علي، وابن مسعود، وسعد بن أبي وقاص، وسعيد بن زيد، وعطاء، والزهري، والنخعي والحكم وحماد، وجماعة من الفقهاء منهم مالك والشَّافعي.
واختلفت الرواية عن أبي حنيفة.
فروي عنه أنه يمسّه المحدث، وهذا مروي عن ابن عباس والشعبي وغيرهما، وروي عنه أنه يمس ظاهره وحواشيه، وما ليس بمكتوب.
٤٣٧
وأمَّا [الكتاب] فلا يمسّه إلاَّ طاهر.
قال ابن العربي : وهذا يقوي الحجة عليه ؛ لأن جِرْمَ الممنوع ممنوع، وكتاب عمرو بن حزم أقوى دليل عليه.
وقال مالك : لا يحمله غير طاهر بعلامة، ولا على وسادة.
وقال أبو حنيفة : لا بأس بذلك.
وروي عن الحكم وحماد وداود بن علي : أنه لا بأس بحمله ومسّه للمسلم والكافر طاهراً أو محدثاً، إلاَّ أن داود قال : لا يجوز للمشرك حمله، واحتجوا في إباحة ذلك بكتاب النبي ﷺ إلى " قيصر "، ولا حجة فيه لأنه موضع ضرورة.
والمراد بالقرآن : المصحف، سمي قرآناً لقرب الجوار على الاتِّساع، ولأن النبي ﷺ نهى أن يسافر بالقرآن إلى أرض العدو.
أراد به المصحف.
قوله :﴿تَنزِيلٌ﴾.
قرأ العامة : بالرفع.
وقرأ بعضهم :" تنزيلاً " بالنصب، على أنه حال من النكرة، وجاز ذلك لتخصصها بالصفة.
وأن يكون مصدراً لعامل مقدر، أي : نزل تنزيلاً.
وغلب التنزيل على القرآن.
وقوله :" من ربّ " يجوز أن يتعلق به على الأول لا الثاني ؛ لأن المؤكد لا يعمل، فيتعلق بمحذوف ؛ لأنه صفة له.
وأما على قراءة " تَنزِيلٌ " بالرفع، فيجوز الوجهان.
قال القرطبي :" تنزيل " أي : منزل، كقولهم :" ضَرْب الأمير، ونَسْج اليمن ".
وقيل :" تنزيل " صفة لقوله تعالى :﴿إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ﴾.
وقيل : خبر مبتدأ محذوف، أي : هو " تنزيل ".
قال ابن الخطيب : قوله " تنزيل " مصدر، والقرآن الذي في كتاب ليس بتنزيل، إنما هو منزل لقوله تعالى :﴿نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ﴾ [الشعراء : ١٩٣]، فنقول : ذكر المصدر،
٤٣٨


الصفحة التالية
Icon