فجعل " إذا " شرطية، وقوله بالأجوبة يعني لـ " إذا "، ولـ " إن " في قوله :﴿إِن كُنتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ﴾، ﴿إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ﴾.
والبيانات : يعني الأفعال التي حضض عليها، وهي عبارة قلقة.
قال أبو حيان :" و " إذا " ليست شرطاً، بل ظرفاً يعمل فيها " ترجعونها " المحذوف بعد " فلولا " لدلالة " ترجعونها " في التحضيض الثاني عليه، فجاء التحضيض الأول مقيداً بوقت بلوغ الحلقوم، وجاء التَّحضيض الثاني معلقاً على انتفاء مربوبيتهم، وهم لا يقدرون على رجوعها، إذ مربوبيتهم موجودة فهم مقهُورون، لا قدرة لهم ".
انتهى.
فجعل " ترجعونها " المذكور لـ " لولا " الثانية، وهو دال على محذوف بعد الأولى، وهو أحد الأقوال التي نقلها أبو البقاء فيما تقدم.
وقوله :﴿إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ﴾.
شرط آخر، وليس هذا من اعتراض الشرط على الشرط نحو :" إن ركبت إن لبست فأنت طالق " حتى يجيء فيه ما تقدم في هذه المسألة ؛ لأن المراد هنا : إن وجد الشرطان كيف كانا فهل رجعتم بنفس الميت ؟.
[وقال القرطبي :﴿ترجعونها إن كنتم صادقين﴾ يرجع الروح إلى الجسد إن كنتم صادقين، أي : ولن ترجعونها فبطل] زعمكم أنكم غير مملوكين، ولا محاسبين، و " تَرْجعُونها " جواب لقوله تعالى :﴿فَلَوْلاَ إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ﴾، ولقوله :﴿فَلَوْلاَ إِن كُنتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ﴾ وأجيبا بجواب واحد.
قاله الفرَّاء، وربما أعادت العرب الحرفين ومعناهما واحد، ومنه قوله تعالى :﴿فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ [البقرة : ٣٨]، أجيبا بجواب واحد، وهما شرطان.
والمعنى : إن كان الأمر كما تقولون : إنه لا بعث، ولا حساب، ولا إله يجازي، فهلاَّ تردون نفس من يعزّ عليكم إذا بلغت الحلقوم ؟ وإذا لم يمكنكم ذلك فاعلموا أن الأمر إلى غيركم وهو الله عز وجل.
قاله البغوي.
وقيل : حذف أحدهما لدلالة الآخر عليه.
وقيل : فيها تقديم وتأخير، مجازها :" فلولا وهلا إن كنتم غير مدينين ترجعونها تردّون نفس الميت إلى جسده إذا بلغت الحلقوم ".
٤٤٥
ثم ذكر طبقات الخلق عند الموت وبين درجاتهم، فقال :﴿فَأَمَّآ إِن كَانَ﴾.
قد تقدَّم الكلام في " أمَّا " أول الكتاب.
وهنا أمر زائد، وهو وقوع شرط آخر بعدها.
واختلف النحاة في الجواب المذكور بعدها، هل هو لـ " أما " أو لـ " أن " وجواب الأخرى محذوف لدلالة المنطوق عليه والجواب لهما معاً ؟ ثلاثة أقوال : الأول : لسيبويه.
والثاني : للفارسي في أحد قوليه، وله قول آخر لسيبويه.
والثالث : للأخفش.
وهذا كما تقدم في الجواب بعد الشرطين المتواردين.
وقال مكي :" ومعنى " أما " عند أبي إسحاق الخروج من شيء إلى شيء، أي : دع ما كُنَّا فيه، وخذ في غيره ".
وعلى هذا فيكون الجواب لـ " إن " فقط، لأن " أما " ليست شرطاً، ورجح بعضهم أن الجواب لـ " أمَّا " لأن " إن " كثر حذف جوابها منفردة فادعاء ذلك مع شرط آخر أولى.
قوله :﴿فَأَمَّآ إِن كَانَ﴾.
الضمير في " كان " و " كان " و " كان " للمتوفى، لدلالة " فلَوْلاَ ترجعونها "، والمراد بالمقربين : السابقين لقوله تعالى ﴿وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ أُوْلَـائِكَ الْمُقَرَّبُونَ﴾ [الواقعة : ١٠].
قوله :﴿فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ﴾.
قرأ العامة :" فَرَوْحٌ " بفتح الراء.
وقرأ ابن عباس، وعائشة، والحسن، وقتادة، ونصر بن عاصم، والجحدري ورويس وزيد عن يعقوب وجماعة : بضم الراء.
وتروى عن النبي صلى الله عليه وسلم.
فمن قرأ بالفتح، فمعناه : فله روح، وهو الرَّاحة.
وهو قول مجاهد.
وقال سعيد بن جبير : فرج.
وقال الضحاك : مغفرة ورحمة " وريحان " : استراحة.
وقال مجاهد وسعيد بن جبير : رزق.
٤٤٦


الصفحة التالية
Icon