وقيل : هو خبر ثانٍ عن الفضل.
وقيل : هو الخبر وحده، والجار قبله حال، وهي حال لازمة ؛ لأن كونه بيدِ الله لا ينتقل ألبتة.
فصل في اتصال الآية بما قبلها نقل ابن الخطيب عن الواحدي أنه قال : هذه الآية مشكلة، وليس للمفسرين فيها قول واضح في كيفية اتصال هذه الآية بما قبلها.
واعلم أن أكثر المفسرين على أن " لا " هاهنا صلة زائدة، والتقدير : ليعلم أهل الكتاب.
وقال أبو مسلم وجماعة : على أن " لا " ليست زائدة، ونحن نفسر الآية على القولين بعون الله وتوفيقه.
أما على القول بزيادتها، فاعلم أنه لا بُدَّ هاهنا من تقديم مقدمة، وهي أن أهل الكتاب كانوا يقولون : إن الوحْيَ والرسالة فينا، والكتاب والشرع ليس إلاَّ لنا، وإنّ الله خصَّنا بهذه الفضيلة العظيمة من بين العالمين.
إذا عرفت هذا، فنقول : إن الله - تعالى - لما أمر أهل الكتاب بالإيمان بمحمد ﷺ ووعدهم الأجر العظيم في ذلك الإيمان أتبعه بهذه الآيةِ، والغرض منها أن يزيل عن قلبهم اعتقادهم بأن النبوة مختصة بهم، فقال : إنما بالغنا في هذا البيان ليعلم أهل الكتاب ألا يقدرون على شيءٍ من فَضْل الله لقوم معينين، ولا يمكنهم حصر الرسالة والنبوة في قوم مخصوصين، وأن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء، ولا اعتراض عليه في ذلك أصلاً.
وأما القول بأن " لا " غير زائدة، فاعلم أن الضمير في قوله :" لا يَقْدرون " عائد إلى الرسول ﷺ وإلى أصحابه - رضي الله عنهم - والتقدير : لئلا يعلم أهل الكتاب أن النبي والمؤمنين لا يقدرون على شيء من فضل الله، فإنهم إذا لم يعلموا أنهم لا يقدرون عليه، فقد علموا أنَّهم يقدرون عليه ثم قال :﴿وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ﴾ فيصير التقدير : إنا جعلنا كذا وكذا لئلا يعتقد أهل الكتاب أنهم يقدرون على حصر فضل الله في قوم معينين، وليعتقدوا أن الفضل بيد الله.
واعلم أنَّ هذا القول ليس فيه إلاَّ أنا أضمرنا فيه زيادة، فقلنا في قوله :﴿وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ﴾ تقديره : وليعتقدوا أنَّ الفضل بيد الله وأما القول الأول فقد افتقرنا فيه إلى حذف شيء موجود، ومن المعلوم أنَّ الإضمار أولى من الحذف ؛ لأن الكلام إذا افتقر إلى الإضمار لم يوهم ظاهره باطلاً أصلاً.
٥١١
وأما إذا افتقرنا إلى الحذف كان ظاهرهُ موهماً للباطل، فعلمنا أن هذا القول أولى.
فصل في نزول هذه الآية قال قتادةُ : حسد أهل الكتاب المسلمين فنزلت : لئلا يعلم أهل الكتاب أنهم لا يقدرون على شيء من فضل الله وأن الفضل بيد الله.
وقال مجاهد : قالت اليهود : يوشك أن يخرج منّا نبيٌّ يقطع الأيدي والأرجل، فلما خرج من العرب كفروا فنزلت :" لئلا يعلم "، أي : ليعلم أهل الكتاب ألا يقدرون يعني : أنهم لا يقدرون، كقوله :﴿أَلاَّ يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلاً﴾ [طه : ٨٩] والمراد من فضل الله.
قيل : الإسلام وقيل : الثواب.
وقال الكلبي : من رزق الله.
وقيل : نِعَمُ الله التي لا تُحْصَى.
﴿وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ﴾ ليس بأيديهم، فيصرفوا النُّبُوَّة عن محمد ﷺ إلى من يُحِبُّون.
وقيل : إن الفضل بيد الله، أي : بقوله :﴿يُؤْتِيهِ مَن يَشَآءُ﴾.
روى البخاري عن ابن عمر قال : سمعت رسول الله ﷺ وهو قائم على المنبر يقول :" إنَّما بَقَاؤكُمْ فِيْمَا سَلَفَ قَبْلكُمْ مِنَ الأممِ كما بَيْنَ صلاةِ العصْرِ إلى غُرُوبِ الشَّمسِ، أعْطِيَ أهْلُ التَّوراةِ التَّوْراةَ فَعمِلُوا بِهَا حتَّى انْتَصفَ النَّهارُ، ثُمَّ عَجَزُوا فأعْطُوا قِيْراطاً قِيْراطاً، ثُمَّ أعطيتُمُ القُرْآنَ فعَمِلْتُمْ بِهِ حتَّى غَرَبَتِ الشَّمْسُ فأعطيتُمْ قِيْراطَيْنِ قِيْراطَيْنِ، قال أهْلُ التَّوْرَاةِ : رَبَّنَا هؤلاءِ أقَلُّ عملاً وأكْثَرُ أجْراً، قال : هَلْ ظُلِمْتُمْ مِنْ أجْرِكُمْ شَيْئاً ؟ قَالُوا : لا، قال : فذلِك فَضْلُ اللَّهِ أوتيهِ مَنْ أشَاءُ ".
وفي رواية :" فَغَضِبَتِ اليَهُودُ والنَّصَارى وقالُوا : رَبَّنَا " الحديث.
٥١٢
جزء : ١٨ رقم الصفحة : ٥٠٢


الصفحة التالية
Icon