سورة المجادلة
[مدنية] في قول الجميع إلا رواية عن عطاء : أن العشر الأول منها مدني، وباقيها مكي.
وقال الكلبي : نزلت جميعها ب"المدينة" غير قوله تعالى :﴿ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم﴾ [المجادلة : ٧] نزلت ب "مكة".
وهي ثنتان وعشرون آية وأربعمائة وثلاث وسبعون كلمة وألف وسبعمائة واثنان وسبعون حرفا.
جزء : ١٨ رقم الصفحة : ٥١٢
قوله تعالى :﴿قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا﴾ الآية.
" قَدْ " هنا للتوقع.
قال الزمخشري :" لأنه - عليه الصلاة والسلام - والمجادلة كانا يتوقعان أن يسمع اللَّه مجادلتهما وشكواهما، وينزل في ذلك ما يفرج عنهما ".
وإظهار الدال عند السين قراءة الجماعة إلا أبا عمرو والأخوين.
ونقل عن الكسائي أنه قال : من بيَّن الدال عند السين فلسانه أعجمي، وليس بعربي.
وهذا غير معرج عليه.
٥١٣
و " في زوجها " في شأنه من ظهاره إياها.
فصيل فيمن جادلت الرسول ﷺ التي اشتكت هي خولة بنت ثعلبة.
وقيل : بنت حكيمٍ.
وقيل : بنت خُويلد.
قال المارودي : وليس هذا بمختلف ؛ لأن أحدهما : أبوها، والآخر : جدها، فنسبت إلى كل منهما.
قيل : كانت أمة.
وقيل : هي ابنة صامت.
وقيل : أمة لعبد الله بن أبي.
وهي التي أنزل الله فيها :﴿وَلاَ تُكْرِهُواْ فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَآءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً﴾ [النور : ٣٣] أي لا يكرهها على الزنا.
وقيل : هي ابنة حكيم.
قال النحاس : وهذا ليس بمُتناقض، يجوز مرَّة أن تنسب إلى أبيها، ومرَّة إلى أمها، ومرَّة إلى جدِّها، ويجوز أن تكون أمةً كانت لعبد الله بن أبي، فقيل لها : أنصارية بالولاء ؛ لأنه كان في عداد الأنصاريين وأنه كان من المنافقين.
نقله القرطبي.
وقيل : اسمها جميلة، وخولة أصح، وزوجها أوسُ بن الصَّامت أخو عبادة بن الصَّامت.
وروي أن عمر بن الخطاب مرَّ بها في خلافته، وهو على حمارٍ والناس معه، فاستوقفته طويلاً ووعظته، وقالت : يا عمرُ، قد كنت تدعى عُمَيراً ثم قيل لك : عمر، ثم قيل : أمير المؤمنين، فاتَّقِ الله يا عمر، فإنه من أيقن بالموت خاف الفوت، ومن أيقن بالحساب خاف العذاب، وهو واقف يسمع كلامها، فقيل له : يا أمير المؤمنين أتقفُ لهذه العجوز هذا الوقوف.
فقال : والله لو حَبَسَتْنِي من أول النهار إلى آخره لا زلت إلاَّ للصَّلاة المكتوبة، أتدرون من هذه العجوز ؟ هذه خولة بنت ثعلبة، سمع الله قولها من فوق سبع سموات، أيسمع رب العالمين قولها ولا يسمعه عمر ؟ !.
٥١٤
وقالت عائشة : تبارك الذي وسِعَ سمعهُ كُلَّ شيء إني لأسمع كلام خولة بنت ثعلبة ويخفى عليّ بعضه، وهي تشتكي إلى رسول الله ﷺ وهي تقول : يا رسول الله أكَلَ شَبَابي، ونَثرْتُ له بطني حتَّى إذا كبرت سنّي، وانقطع ولدي ظاهر منِّي، اللهم إني أشكو إليك فما برحت حتى نزل جبريل بهذه الآيات :﴿قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا﴾ الآية.
" روي أنها كانت حسنة الجسْمِ، فرآها زوجها ساجدةً فنظر عجيزتها، فأعجبه أمرها، فلما انصرفت أرادها فأبَتْ فغضب عليها، قال عروة : وكان امرأ به لممٌ فأصابه بعض لممهِ، فقال لها : أنْتِ عليَّ كظهْرِ أمِّي وكان الإيْلاء والظِّهار من الطلاق في الجاهلية، فسألت النبي ﷺ فقال لها :" حَرُمْتِ عليْهِ "، فقالت : والله ما ذكر طلاقاً، وإنه أبو ولدي وأحبّ الناس إليَّ، فقال رسول الله ﷺ :" حَرُمْتِ عَليْهِ "، فقالت : أشكو إلى الله فَاقتِي ووحْدتِي، فقد طالت له صُحْبتي ونفَضَتْ له بَطْني، فقال رسول الله ﷺ :" مَا أرَاك إلاَّ قَدْ حَرُمْتِ عليْهِ ولَمْ أومر فِي شأنِك بِشيءٍ "، فجعلت تراجع رسول الله ﷺ وإذا قال لها رسول الله :" حَرُمْتِ عليْهِ " هتفت وقالت : أشكو إلى الله فاقتِي وشدة حالي، وإن لي صبيةً صغاراً إن ضَممتُهُمْ إليَّ جاعُوا، وإن ضَممتُهُمْ إليه ضاعُوا، وجعلت ترفع رأسها إلى السماء وتقول : اللهُم إني أشكو إليك فأنزل على لسان نبيك، وكان هذا أول ظهارٍ في الإسلام فأنزل الله تعالى :﴿قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا﴾ الآية.
فأرسل رسول الله ﷺ إلى زوجها، وقال :" مَا حَمَلَكَ عَلى ما صَنَعْتَ " ؟ فقال : الشيطان، فهل من رُخْصَة ؟ فقال :" نَعَمْ "، وقرأ عليه الأربع آيات، فقال :" هَلْ تَسْتطِيْعُ الصَّوْمَ " ؟ فقال : لا والله، فقال :" هَلْ تَسْتطيعُ العِتْقَ " ؟ فقال : لا والله، إني أن أخطأ في أن آكل في اليوم مرة أو مرتين لكلَّ بصري وظننت أني أموت، قال :" فأطْعِمْ ستِّيْنَ مِسْكيناً "، فقال : ما أجد إلا أن تعينني منك بعونٍ وصلةٍ، فأعانه رسول الله ﷺ بخمسةَ عشر صاعاً، وأخرج أوس من عنده مثله، فتصدق به على ستين مسكيناً ".
فصل في اللمم الذي كان بأوس بن الصامت قال أبو سليمان الخطَّابي : ليس المراد من قوله في هذا الخبر : وكان بن لَمَم الخبل والجنون، إذ لو كان به ثُمَّ ظاهر في تلك الحال لم يكن يلزمه شيء، بل معنى
٥١٥