وقرأ ابن أبي عبلة :" ثلاثة "، و " خمسة " نصباً على الحال، وفي صاحبها وجهان : أحدهما : أنه محذوف مع رافعه تقديره : يتناجون ثلاثة، وحذف لدلالة " نجوى ".
والثاني : أنه الضمير المستكن في " نجوى " إذا جعلناها بمعنى المتناجين [قاله الزمخشري، رحمه الله.
قال مكي :" ويجوز في الكلام رفع " ثلاثة " على البدل من موضع " نجوى " ؛ لأن موضعها رفع و " من " زائدة، ولو نصبت " ثلاثة " على الحال من الضمير المرفوع إذا جعلت " نجوى " بمعنى المتناجين جاز في الكلام " ].
قال شهاب الدين :" ولا يقرأ به فيما علمت، وهو جائز في غير القرآن كما قال، وأما النصب فقد قرئ به، وكأنه لم يطلع عليه ".
قوله :﴿إلا هو رابعهم﴾، ﴿إلا هو خامسهم﴾، ﴿إلا هو معهم﴾ كل هذه الجمل بعد " إلا " في موضع نصب على الحال أي : ما يوجد شيء من هذه الأشياء إلا في حال من هذه الأحوال، فالاستثناء مفرغ من الأحوال العامة.
وقرأ أبو جعفر :" ما تكون " بتاء التأنيث لتأنيث النجوى.
قال أبو الفضل : إلا أنَّ الأكثر في هذا الباب التذكير على ما في قراءة العامة ؛ لأنه مسند إلى " من نجوى " وهو اسم جنس مذكر.
قال ابن جني : التذكير الذي عليه العامة هو الوجه ؛ لوقوع الفاصل بين الفعل والفاعل، وهو كلمة " من "، ولأن تأنيث النجوى غير حقيقي.
قوله :" ولا أكْثرَ ".
العامة على الجر عطفاً على لفظ " نجوى ".
وقرأ الحسن، والأعمش، وابن أبي إسحاق، وأبو حيوة ويعقوب :" ولا أكثر " بالرفع، وفيه وجهان :
٥٣٣
أحدهما : أنه معطوف على موضع " نجوى " لأنه مرفوع، و " من " مزيدة، فإن كان مصدراً كان على حذف مضاف كما تقدم، أي : من ذوي نجوى، وإن كان بمعنى متناجين، فلا حاجة إلى ذلك.
الثاني :" أدنى " مبتدأ، و ﴿إلاَّ هو معهم﴾ خبره، فيكون " ولا أكثر " عطفاً على المبتدأ، وحينئذ يكون " ولا أدنى " من باب عطف الجمل لا المفردات.
وقرأ الحسن ويعقوب أيضاً ومجاهد والخليل :" ولا أكبر " بالباء الموحدة والرفع على ما تقدم.
وزيد بن علي :" ينبيهم " - بسكون النون - من أنبأ إلاَّ أنه حذف الهمزة وكسر الهاء.
وقرئ كذلك إلا أنه بإثبات الهمزة وضم الهاء، والعامة بالتشديد من " نبأ ".
فصل في النجوى " النَّجْوَى " : التناجي، وهو السرار وهو مصدر يوصف به، يقال : قوم نجوى، وذوو نجوى.
قال تعالى :﴿وَإِذْ هُمْ نَجْوَى ﴾ [الإسراء : ٤٧].
قال الزجاج :" النجوى " مشتقة من النجوة وهي ما ارتفع وتنجى، فالكلام المذكور سرًّا، لما خلا عن استماع الغير صار كالأرض المرتفعة، فإنها لارتفاعها خلت عن اتصال الغير، والسرار ما كان بين اثنين.
قوله :﴿إِلاَّ هُوَ رَابِعُهُمْ﴾ أي : يعلم، ويسمع نجواهم بدليل افتتاح الآية بالعلم.
فإن قلت : ما الحكمة في ذكره - سبحانه وتعالى - الثلاثة والخمسة، وأهمل الأربعة ؟.
فالجواب من وجوه : الأول : أن ذلك إشارة إلى كمال الرحمة ؛ لأن الثلاثة إذا اجتمعوا، فإذا تناجى اثنان
٥٣٤


الصفحة التالية
Icon