قال أبو علي : والافتعال، والتفاعل يجريان مجرى واحداً، ومن ثمَّ صححوا " ازْدَوجُوا واعتورُوا " لما كانا في معنى تزاوجوا وتعاوروا، وجاء ﴿حَتَّى إِذَا ادَّارَكُواْ﴾ [الأعراف : ٢٨] وادَّرَكُوا.
قال شهاب الدين : ويؤيد قراءة العامة الإجماع على تناجيهم، و " فلا تتناجوا " و " تناجوا "، فهذا من " التفاعل " لا غير، إلاَّ ما روي عن عبد الله، أنه قرأ ﴿إذا انْتَجَيْتُم فلا تنتجوا﴾.
ونقل أبو حيان عن الكوفيين والأعمش :" فلا تنتجوا " كقراءة عبد الله.
وأصل :" تَنْتَجُونَ " " تَنْتَجِيونَ " و " تَنَاجَوْن " فاستثقلت الضَّمَّة على الياء، فحذفت فالتقى ساكنان فحذفت لالتقائهما، أو تقول : تحرك حرف العلة وانفتح ما قبله، فقلبت ألفاً فالتقى ساكنان، فحذف أولهما وبقيت الفتحة دالة على الألف.
قوله :﴿بِالإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ﴾.
قرأ أبو حيوة :" بالعِدْوان " بكسر العين.
والمراد " بالإثم والعدوان " : الكذب والظلم، ﴿وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ﴾ ﷺ مخالفته.
وقرأ الضَّحاك :" ومعصيات الرَّسول " صلى الله عليه وسلم.
قوله :﴿وَإِذَا جَآءُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ﴾.
قال القرطبي : لا خلاف بين أهل النقل أن المراد به اليهود، وكانوا إذا سلموا على النبي ﷺ قالوا : السَّام عليك يعنون الموت.
كما روت عائشة - رضي الله عنها - " أن اليهود أتوا النبي ﷺ فقالوا : السَّام عليك، قال النبي ﷺ :" عَلَيْكُمْ " فقالت عائشة رضي الله عنها : السَّام عليكم، ولعنة الله، وغضبه عليكم، فقال رسول الله ﷺ :" مَهْلاً يا عَائِشَةُ، عليْكِ بالرِّفْقِ وإيَّاكِ والعُنْفَ والفُحْشَ "، قالت : أو لم تسمع ما قالوا يا رسول الله ؟، فقال رسول الله ﷺ عند ذلك " أو لَمْ تَسْمَعِي مَا قُلْتُ ورَدَدْتُ عليْهِمْ فَيُسْتجَابُ لي فيْهِمْ ولا يُسْتجابُ لهُمْ فِيْ ؟ ".
٥٣٧
وقال النبي ﷺ عند ذلك :" إذَا سَلَّمَ عَليْكُمْ أهْلُ الكتابِ، فقُولُوا : علَيْكَ مَا قُلْتَ "، فأنزل الله تعالى :﴿وَإِذَا جَآءُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ﴾ ".
وروى أنس - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله ﷺ :" إذَا سَلمَ علَيْكُمْ أهْلُ الكتابِ فقُولُوا : وعَليْكُمْ " بالواو.
فقال بعض العلماء رضي الله عنهم : إن الواو العاطفة تقتضي التشريك، فيلزم منه أن يدخل معهم فيما دعوا به علينا من الموت، أو من سآمة ديننا وهو الهلاك، يقال : سَئِمَ يَسْأمُ سَآمةً وسَآماً.
وقال بعضهم " الواو " زائدة كما زيدت في قول الشاعر :[الطويل] ٤٧٣٢ - فَلَمَّا أجَزْنَا سَاحَةَ الحَيِّ وانْتَحَى
...........................
جزء : ١٨ رقم الصفحة : ٥٣٢
أي : لما أجزنا انتحى، فزاد " الواو ".
وقال آخرون : هي للاستئناف، كأنه قال : والسام عليكم، وقال آخرون : هي على بابها من العطف ولا يضرنا ذلك ؛ لأنا نجاب عليهم ولا يجابون علينا كما تقدم في قوله ﷺ لـ " عائشة " رضي الله عنها.
فصل في رد السَّلام على أهل الذمة اختلفوا في ردّ السَّلام على أهل الذِّمة، فقال ابن عباس والشعبي وقتادة : هو واجب لظاهر الأمْرِ بذلك.
وقال مالك رضي الله عنه : ليس بواجب، فإن رددت فقل : عليك.
وقال بعضهم : نقول في الرد : علاك السَّلام، أي : ارتفع عنك.
وقال بعض المالكية : تقول في الرد : السلام عليك - بكسر السين - يعني الحجارة.
قوله تعالى :﴿وَيَقُولُونَ فِى أَنفُسِهِمْ لَوْلاَ يُعَذِّبُنَا﴾.
هذه الجملة التحضيضية في موضع نصب بالقول، ومعنى الآية : أن اليهود - لعنهم الله - لما كانوا يقولون : السام عليك، ويوهمون أنهم يسلمون، وكان النبي ﷺ يرد عليهم بقوله :" عليكم " فإذا خرجوا قالوا :" لولا يعذبنا الله " أي : هلا يعذبنا بما نقول، أي : لو كان نبيًّا لعذبنا الله بما نقول.
٥٣٨