وقال قتادة : معناه : أجيبوا إذا دعيتم إلى أمر بالمعروف.
قال القرطبي :" وهذا هو الصحيح لأنه يعم، والنَّشْز : الارتفاع، مأخوذ من نَشْزِ الأرض، وهو ارتفاعها ".
قوله :﴿يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ﴾ بطاعاتهم لرسول الله ﷺ وقيامهم في مجالسهم، وتوسّعهم لإخوانهم.
وقوله تعالى :﴿وَالَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ﴾ يجوز أن يكون معطوفاً على " الَّذين آمنوا "، فهو من عطف الخاص على العام ؛ لأن الذين أوتوا العلم بعض المؤمنين منهم، ويجوز أن يكون " الذين أوتوا " من عَطْف الصفات، أي : تكون الصفتان لذات واحدة، كأنه قيل : يرفع الله المؤمنين العلماء، و " درجات " مفعول ثان.
وقد تقدم الكلام على نحو ذلك في " الأنعام ".
وقال ابن عباس رضي الله عنه : تم الكلام عند قوله تعالى :" منكم "، وينصب " الذين أوتوا " بفعل مضمر، أي : ويخصّ الذين أوتوا العلم بدرجات، أو يرفعهم درجات.
فصل في تحرير معنى الآية قال المفسرون في هذه الآية : إن الله - تعالى - رفع المؤمن على من ليس بمؤمن، والعالم على من ليس بعالم.
قال ابن مسعود رضي الله عنه : مدح الله العلماء في هذه الآية والمعنى : أن الله - تعالى - يرفع الذين أوتوا العلم على الذين آمنوا ولم يؤتوا العلم درجات في دينهم إذا فعلوا ما أمروا به.
وقيل : كان أهل الغنى يكرهون أن يزاحمهم من يلبس الصوف، فيسبقون إلى مجلس النبي ﷺ فالخطاب لهم.
" ورأى رسول الله ﷺ رجُلاً من الأغنياء يقبض ثوبه نفوراً من بعض الفقراء أراد أن يجلس إليه، فقال :" يا فُلاَنُ أخَشِيْتَ أنْ يتعدَّا غِناكَ إليْهِ أوْ فَقْرُه إلَيْكَ ".
وبيّن في هذه الآية أن الرِّفعة عند الله - تعالى - بالعلم والإيمان لا بالسَّبْق إلى صدور المجالس.
وقيل : أراد بالذين أوتوا العلم الذين قرأوا القرآن.
وروى يحيى بن يحيى عن مالك - رضي الله عنه - ﴿يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ مِنكُمْ﴾
٥٤٥
الصحابة، ﴿وَالَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ﴾ يرفع الله - تعالى - بها العالم والطالب.
قال القرطبي : ثبت في الصحيح أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - كان يقدم عبد الله بن عباس على الصحابة فكلموه في ذلك، فدعاهم ودعاه، وسألهم عن تفسير :﴿إِذَا جَآءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ﴾ [النصر : ١] فسكتوا فقال ابن عباس : هو أجل رسول الله ﷺ أعلمه الله إيَّاه، فقال عمر : ما أعلم منها إلا ما تعلم.
وقال رسول الله ﷺ :" بَيْنَ العَالمِ والعَابدِ مائَةُ دَرَجَةٍ، بَيْنَ كُلِّ دَرَجتيْنِ حَضْر الجَوادِ المُضمَّرِ سَبْعِيْنَ سَنَة ".
وقال رسول الله ﷺ :" فَضْلُ العَالمِ عَلى العَابِدِ كَفضْلِ القَمَرِ ليْلَةَ البَدْرِ عَلى سَائِرِ الكَواكِبِ ".
وقال رسول الله ﷺ :" يَشْفَعُ يَوْمَ القِيامَةِ ثلاثةٌ : الأنْبِيَاءُ ثُمَّ العلماءُ ثُمَّ الشُّهداءُ ".
فأعظم بمنزلة هي واسطة بين النبوة والشهادة بشهادة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وعن ابن عباس رضي الله عنه :" خُيِّرَ سليمان - صلوات الله وسلامه عليه - بين العلم والمال والملك، فاختار العلم فأعطي المال والملك معه ".
٥٤٦


الصفحة التالية
Icon