ويجوز أن يكون " لأغلبن " جواب قسم مقدر، وليس بظاهر.
فصل في تفسير الآية قال المفسرون :﴿كتب الله لأغلبن﴾ أي : قضى الله ذلك.
وقيل : كتب في اللوح المحفوظ قاله قتادة.
وقال الفراء :" كتب " بمعنى " قال ".
وقوله :" أنا " توكيد، " ورسلي " من بعث منهم بالحرب، فإن الرسول بالحرب غالب، ومن بعث منهم بالحُجّة غالب أيضاً، فإذا انضم إلى الغلبة بالحجة الغلبة بالحرب كان أغلب وأقوى.
قال مقاتل : قال المؤمنون : لئن فتح الله لنا " مكة " و " الطائف " و " خيبر " وما حولهن رجَوْنَا أن يظهرنا الله - تعالى - على " فارس " و " الروم "، فقال عبد الله بن أبيّ ابن سلول : أتظنون " الروم " و " فارس " كبعض القرى التي غلبتم عليها، والله إنهم لأكثر عدداً وأشد بطشاً من أن تظنوا فيهم ذلك، فنزلت :﴿لأَغْلِبَنَّ أَنَاْ وَرُسُلِى ﴾.
ونظيره :﴿وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنصُورُونَ وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ﴾ [الصافات : ١٧١ - ١٧٣].
قوله :﴿وَرُسُلِى ﴾.
قرأ نافع وابن عامر بفتح " الياء ".
والباقون : لا يحركون.
قال أبو علي :" التَّحريك والإسكان جميعاً حسنان ".
وقوله تعالى :﴿إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾ قوي على نُصْرة أنبيائه " عَزِيزٌ " غالب لا يدفعه أحد عن مُرَاده.
قوله تعالى :﴿لاَّ تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَآدُّونَ مَنْ حَآدَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ﴾.
" يوادُّون " هو المفعول الثاني لـ " تَجِدُ "، ويجوز أن تكون المتعدية لواحد بمعنى
٥٥٧
" صادق ولقي "، فيكون " يوادّون " حالاً، أو صفة لـ " قوماً ".
ومعنى " يوادُّون " أي : يحبون ويوالون ﴿مَنْ حَآدَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ﴾.
وقد تقدم الكلام على المُحَادّة.
والمعنى : أنه لا يجتمع الإيمان مع ودادةِ أعداء الله.
فصل في المراد بهذه الموادّة فإن قيل : أجمعت الأمة على أنه تجوز مخالطتهم ومعاملتهم ومعاشرتهم فما هذه الموادة المحرمة ؟.
فالجواب أن الموادّة المحرمة هي إرادة منافعه ديناً ودُنْيا مع كونه كافراً، فأما سوى ذلك فلا حَظْر فيه.
قوله تعالى :" ولو كانوا " هذه " واو " الحال.
وقدّم أولاً الآباء ؛ لأنهم تجب طاعتهم على أبنائهم، ثم ثنَّى بالأبناء ؛ لأنهم أعلقُ بالقلوب وهم حياتها، قال الحماسي في معنى ذلك، رحمة الله عليه رحمة واسعة :[السريع] ٤٧٣٣ - وإنَّمَا أوْلادُنَا بَيْنَنَا
أكْبَادُنَا تَمْشِي عَلَى الأرْضِ
جزء : ١٨ رقم الصفحة : ٥٥٤
ثم ثلَّث بالإخوان ؛ لأنهم هم الناصرون بمنزلة العضُد من الذِّراع.
قال رحمه الله :[الطويل] ٤٧٣٧ - أخَاكَ أخَاكَ إنَّ مَنْ لا أخَا لَهُ
كَسَاعٍ إلى الهَيْجَا بِغَيْرِ سِلاحِ
وإنَّ ابْنَ عَمِّ المَرْءِ - فَاعْلمْ - جَنَاحُهُ
وهَلْ يَنْهَضُ البَازِي بِغَيْرِ جَنَاحِ
ثم ربع بالعشيرة ؛ لأن بها يستعان وعليها يعتمد.
قال بعضهم، رحمة الله عليه :[البسيط]
٥٥٩
٤٧٣٤ - لا يَسْالُونَ أخَاهُمْ حِيْنَ يَنْدُبُهُمْ
في النَّائِبَاتِ عَلَى مَا قَالَ بُرْهَانَا