وقال عبد الله بن محمد بن هارون الفريابي : سمعت الشافعي - رضي الله عنه - يقول : سَلُوني عمَّا شئتم أخبركم من كتاب الله - تعالى - وسنة نبيكم ﷺ قال : فقلت له : أصلحك الله، ما تقول في المحرم يقتل الزُّنْبُور ؟ قال : فقال : بسم الله الرحمن الرحيم، قال الله تعالى :﴿وَمَآ آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُواْ﴾.
وحدثنا سفيان بن عيينة عن عبد الملك بن عمير عن ربعي بن خراش عن حذيفة بن اليمان - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله ﷺ :" اقْتَدُوا باللَّذيْنِ من بَعْدِي أبي بَكرٍ وعُمر رضِيَ اللَّهُ عنهُمَا ".
حدثنا سفيان بن عيينة بن مسعر بن كدام، عن قيس بن مسلم، عن طارق بن شهاب عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أنه أمر بقتل الزُّنْبُور.
وهذا الجواب في غاية الحسن أفتى بجواز قتل الزنبور في الإحرام، وبيَّن أنه يقتدي فيه بـ " عمر "، وأن النبي ﷺ أمر بالاقتداء به، وأنَّ الله - تعالى - أمر بقُبول ما يقوله الرسول ﷺ فجواز قتله مستنبط من الكتاب والسُّنَّة.
وسئل عكرمة عن أمهات الأولاد، فقال : هل هُنَّ أحرار ؟ فقال : في سورة النساء في قوله تعالى :﴿أَطِيعُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ﴾ [النساء : ٥٩].
وفي " صحيح مسلم " وغيره عن علقمة عن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله ﷺ :" لَعَنَ اللَّهُ الواشِمَاتِ والمُسْتوشِمَاتِ والمُتنمِّصَات والمُتَفلِّجَاتِ للحُسْنِ، المُغيِّراتِ لخَلْقِ الله " فبلغ ذلك امرأة من " بَنِي أسد " يقال لها : أم يعقوب، فجاءت فقالت : إنه بلغني أنك لعنت كيت وكيت، فقال : وما لي لا ألعَنُ من لعنه رسول الله ﷺ وهو في كتاب الله تعالى، فقالت : لقد قرأت ما بين الدفتين فما وجدت فيه ما تقول، فقال : إن كنت قرأتيه فقد وجدتيه، أما قرأت :[ ﴿وَمَآ آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُواْ﴾.
قالت : بلى، قال : فإنه قد نهى الله عنه.
الحديث.
فصل في الكلام على الآية قوله تعالى :﴿وَمَآ آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ﴾.
٥٨١
وإن جاء بلفظ الإيتاء وهو المناولة، فإن معناه الأمر بدليل قوله تعالى] :﴿وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُواْ﴾.
فقابله بالنهي، ولا يقابل النهي إلا بالأمر، بدليل ما تقدم، مع قوله ﷺ " إذَا أمَرتكُمْ بشَيءٍ فأتُوا مِنْهُ ما اسْتطعْتُم، وإذَا نَهيْتُكُمْ عن شَيْءٍ فانتهُوا ".
قوله :﴿وَاتَّقُواْ اللَّهَ﴾ أي : عذاب الله، إنه شديد لمن عصاه.
وقيل : اتقوا الله في أوامره ونواهيه، فلا تضيعوها، ﴿فإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾.
جزء : ١٨ رقم الصفحة : ٥٦٩
قوله تعالى :﴿لِلْفُقَرَآءِ﴾ فيه ثلاثة أوجه : أحدها : أنه بدل من " لِذي القُربى ".
قاله أبو البقاء والزمخشري.
قال أبو البقاء :" قيل : هو بدل من " لذي القُرْبى " ومابعده ".
[وقال الزمخشري :" بدل من " لذي القُرْبى " وما عطف عليه]، والذي منع الإبدال من " لله وللرسول " والمعطوف عليهما، وإن كان المعنى لرسول الله ﷺ أن الله - عز وجل - أخرج رسوله ﷺ من الفقراءِ في قوله :﴿وَيَنصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ﴾ وأن الله - تعالى - يترفع برسوله ﷺ عن تسميته بالفقيرِ، وأن الإبدال على ظاهر اللفظ من خلاف الواجب في تعظيم الله عز وجل.
يعني أنه لو قيل : بأنه بدل من " من الله ورسوله " ﷺ وهو قبيح لفظاً، وإن كان المعنى على خلاف هذا الظاهر كما قيل : إن معناه لرسول الله ﷺ وإنما ذكر الله - عز وجل - تفخيماً، وإلا فالله - تعالى - غني عن الفيء وغيره، وإنما جعله بدلاً من " لذي القُربى " ؛ لأنه حنفي، والحنفية يشترطون الفقر في إعطاء ذوي القربى من الفيءِ.
الثاني : أنه بيان لقوله تعالى :﴿وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ﴾ [الحشر : ٧]، وكررت لام الجر لما كانت
٥٨٢