نعم]، فإذا أنا برجل يقول : آه آه فأشار إليّ ابن عمي أن انطلق إليه، فجئت إليه، فإذا هو هشام بن العاص، فقلت : أسقيك ؟ فأشار أن نعم، فسمعت آخر يقول : آه آه فأشار هشام أن انطلق إليه، فجئت إليه، فإذا هو قد مات، فرجعت إلى هشام، فإذا هو قد مات، فرجعت إلى ابن عمي فإذا هو قد مات.
وقال أبو اليزيد البسطامي رحمه الله : ما غلبني أحد سوى شاب من أهل " بلخ " قدم علينا حاجًّا، وقال : يا أبا اليزيد، ما حد الزهد عندكم ؟.
فقلت له : إذا وجدنا أكلنا وإذا فقدنا صبرنا.
فقال : هكذا كلاب " بلخ " عندنا.
فقلت : وما حدّ الزهد عندكم ؟.
قال : إذا فقدنا شكرنا، وإذا وجدنا آثرنا.
وسئل ذو النون المصري : ما حدُّ الزهد ؟ قال : ثلاث، تفريق المجموع، وترك طلب المفقود، والإيثار عند الفوت.
وحكي عن أبي الحسن الأنطاكي : أنه اجتمع عنده نيف وثلاثون رجلاً بقرية من قرى " الري " ومعهم أرغفة معدودة لا تشبح جميعهم، فكسروا الرغفان وأطفئوا السراج، وجلسوا للطعام، فلما فرغوا فإذا الطعام بحاله لم يأكل أحد منهم شيئاً إيثاراً لصاحبه على نفسه.
قوله تعالى :﴿وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ﴾.
هذه واو الحال، والخصاصة : الحاجة، وأصلها من خصاص البيت، وهي فروجه، وحال الفقير يتخللها النقص، فاستعير لها ذلك.
وقال القرطبي :" أصلها من الاختصاص، وهو الانفراد بالأمر، فالخصاصة : انفراد بالحاجة، أي : ولو كانت بهم فاقة وحاجة ".
ومنه قول الشاعر :[الكامل] ٤٧٤٩ - أمَّا الرَّبيعُ إذَا تَكُونُ خَصَاصَةٌ
عَاشَ السَّقِيمُ بِهِ وأثْرَى المُقْتِرُ
قوله تعالى :﴿وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ﴾.
العامة على سكون الواو، وتخفيف القاف من الوقاية، وابن أبي عبلة وأبو حيوة : بفتح الواو وتشديد القاف.
٥٩٢
والعامة - بضم الشين - من " شح "، [وابن أبي عبلة] وابن عمر - رضي الله عنهما - بكسرها.
قال القرطبي : الشُّحُّ والبخل سواء، يقال : رجل شحيح بيِّن الشُّح والشَّح والشحاحة.
قال عمرو بن كلثوم :[الوافر] ٤٧٥٠ - تَرَى اللَّحِزَ الشَّحِيحَ إذَا أمِرَّتْ
عَليْهِ لِمَاله فِيهَا مُهِينَا
جزء : ١٨ رقم الصفحة : ٥٨٢
وجعل بعض أهل اللغة الشُّحَّ أشد من البخل.
وفي " الصحاح " : الشح : البخل مع حرصٍ، شَحِحْتُ - بالكسر - تشحّ، وشَحَحْتُ أيضاً تَشُحُّ وتشِحُّ، ورجل شَحِيحٌ، وقومٌ شحاحٌ وأشحَّة.
والمراد بالآية : الشُّح بالزكاة، وما ليس بفرض من صلة ذوي الأرحام والضِّيافة، وما شاكل ذلك، فليس بشحيحٍ ولا بخيل من أنفق في ذلك وإن أمسك عن نفسه، ومن وسّع على نفسه ولم ينفق فيما ذكرنا من الزكوات والطَّاعات فلم يُوقَ شح نفسه.
روى الأسود عن ابن مسعود رضي الله عنه : أن رجُلاً أتاه فقال : إنِّي أخاف أن أكون قد هلكت، قال : وما ذاك ؟ قال : سمعت الله يقول :﴿وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَـائِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ وأنا رجل شحيح لا أكاد أخرج من يديّ شيئاً، فقال ابن مسعود : ليس ذلك الذي ذكر الله - تعالى -، إنما الشُّحُّ أن تأكل مال أخيك ظُلْماً، ولكن ذلك هو البخل، وبئس الشيء البخل، ففرق رضي الله عنه بين الشح والبخل.
وقال طاوس : البخل أن يبخل الإنسان بما في يده، والشُّحُّ أن يشح بما في أيدي
٥٩٣
النَّاس، يجب أن يكون له ما في أيديهم بالحل والحرام فلا يقنع.
قال ابن زيد : ليس الشح أن يمنع الرجل ماله، إنما الشُّح أن تطمح عين الرجل فيما ليس له.
وقال ابن جريج : الشح : منع الزكاة وادخار الحرام.
وقال ابن عيينة : الشح : الظلم.
وقال الليث : ترك الفرائض وانتهاك المحارم.
وقال ابن عباس : من اتبع هواه، ولم يقبل الإيمان، فذلك هو الشحيح.
وقال ابن زيد : من لم يأخذ شيئاً نهاه الله عنه، ولم يمنع شيئاً أمره الله بإعطائه، فقد وقاه الله شحَّ نفسه.
وقال أنس رضي الله عنه قال النبي ﷺ :" بَرِئ مِن الشُّحِّ مَنْ أدَّى الزَّكَاةَ وأقْرَى الضَّيْفَ، وأعْطَى في النَّائِبَة ".
وعنه أن النبي ﷺ كان يدعو " اللَّهُمَّ إنِّي أعُوذُ بِكَ مِنْ شُحِّ نَفْسِي، وإسْرافِهَا وَسوآتِهَا ".
وقال أبو الهياج الأسدي : رأيت رجلاً في الطواف يدعو : اللهم قني شُحَّ نفسي، لا يزيد على ذلك، فقلت له، فقال : إذا وقيت شح نفسي لم أسرق ولم أزْنِ ولم أفعل، فإذا الرجل عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه.
قال القرطبي : ويدل على هذا قوله ﷺ :" اتَّقُوا الظُّلْمَ فإنَّ الظُّلْمَ ظُلماتٌ يَوْمَ
٥٩٤


الصفحة التالية
Icon