ويجوز أن يكون خبر مبتدأ مضمر، أي : أنتم تسرون.
قاله ابن عطية.
ولا يخرج عن معنى الاستئناف.
وقال أبو البقاء :" هو توكيد لـ " تلقون " بتكرير معناه ".
قال شهاب الدين :" وفيه نظر، لأن الإلقاء أعم من أن يكون سرّاً وجهراً ".
وتقدم الكلام على الباء في قوله :" بالمودَّة ".
قوله :﴿وَأَنَّاْ أَعْلَمُ﴾.
هذه الجملة حال من فاعل " تُسِرُّونَ "، أي : وأيُّ طائلٍ لكم في إسراركم، وقد علمتم أن الإسرار والإعلان سيان في علمي.
و " أعْلَمُ "، يجوز أن يكون أفعل تفضيل، وهو الظاهر، أي : أنا أعلم من كل أحد بما يخفون، وما يعلنون.
وأن يكون فعلاً مضارعاً.
قاله ابن عطية، وعُدِّي بالباء، لأنك تقول : علمت بكذا، وعلمت كذا فتكون زائدة.
وقيل : وأنا أعلم من كل أحد كما يقال : فلان أعلم وأفضل من غيره.
١٠
[فإن قيل : لم قدم العلم بالإخفاء على العلم بالإعلان مع أن ذلك مستلزم لهذا من غير عكس ؟.
فالجواب هذا بالنسبة إلى علمنا، لا بالنسبة إلى علمه - تعالى - إذ هما سيّان في علمه تعالى ؛ لأن المقصود بيان ما هو الإخفاء، وهو الكفر، فيكون مقدماً.
فإن قيل : لم لم يقل : بما أسررتم، ثم وما أعلنتم، مع أنه أليق بما سبق في قوله :" تُسِرُّونَ ؟ " فالجواب : أن فيه من المبالغة ما ليس في ذلك، فإنَّ الإخفاء أبلغ من الإسرار بدليل قوله :﴿يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى﴾ [طه : ٧]، أي : أخفى من السِّر].
فصل في معاتبة حاطب قال القرطبي : وهذا كله معاتبة لحاطب، وهو يدل على فضله وكرامته، ونصيحته للرسول ﷺ وصدق إيمانه ؛ فإن المعاتبة لا تكون إلا من محبٍّ لحبيب ؛ كما قال :[الوافر] ٤٧٦٠ - إذَا ذَهَبَ العِتَابُ فليْسَ وُدٌّ
ويَبْقَى الودُّ مَا بَقِي العِتَابُ
فصل في المراد بالمودة والمراد بالمودَة في الآية النصيحة.
قال ابن عباس رضي الله عنهما : وأنا أعلم بما أخفيتم في صدوركم، وما أظهرتم بألسنتكم من الإقرار والتوحيد.
﴿وَمَن يَفْعَلْهُ مِنكُمْ﴾ أي : من يسر إليهم ويكاتبهم ﴿فَقَدْ ضَلَّ سَوَآءَ السَّبِيلِ﴾ أي : أخطأ طريق الهدى.
قوله :" ومَن يفعلهُ ".
في الضمير وجهان : أظهرهما : أنه يعود على الإسرار ؛ لأنه أقرب مذكور.
والثاني : يعود على الاتِّخاذ.
قاله ابن عطية.
قوله :﴿سَوَآءَ السَّبِيلِ﴾.
يجوز أن يكون منصوباً على الظرف، إن قلنا : ضلَّ قاصر.
وأن يكون مفعولاً به، إن قلنا : هو متعد.
١١
[فإن قيل : ما الفائدة في قوله " مِنكُمْ "، ومن المعلوم أن من فعل هذا، فقد ضل سواء السبيل ؟ فالجواب : إن كان المراد من قوله :" مِنْكُمْ " هم المؤمنون فظاهر، لأن من يفعل ذلك لا يلزم أن يكون مؤمناً].
جزء : ١٩ رقم الصفحة : ٣
قوله :﴿إِن يَثْقَفُوكُمْ﴾ يلقونكم ويصادفونكم، ومنه المثاقفة، أي : طلب مصادفة [الغرة] في المسايفة وشبهها.
وقيل :" يثقفوكم " : يظفروا بكم ويتمكنوا منكم ﴿يَكُونُواْ لَكُمْ أَعْدَآءً وَيَبْسُطُوا ااْ إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُمْ بِالسُّواءِ﴾ أي : بالضَّرب والشَّتم.
قوله :﴿وَوَدُّواْ لَوْ تَكْفُرُونَ﴾.
في " ودوا " وجهان : أحدهما : أنه معطوفٌ على جواب الشرط، وهو قوله :" يَكُونُوا " و " يَبْسطُوا " قاله الزمخشري.
ثم رتب عليه سؤالاً وجواباً، فقال :" فإن قلت : كيف أورد جواب الشَّرط مضارعه مثله، ثم قال :" ودوا " بلفظ الماضي ؟.
قلت : الماضي وإن كان يجري في باب الشرط مجرى المضارع في علم الإعراب فإن فيه نكتة، كأنه قيل : ودوا قبل كل شيء كفركم وارتدادكم، يعني أنهم يريدون أن يلحقوا مضار الدنيا والآخرة جميعاً ".
والثاني : أنه معطوف على جملة الشَّرط والجزاء، ويكون تعالى قد اخبر بخبرين بما تضمنته الجملة الشرطية، وموادتهم كفر المؤمنين.
ورجح أبو حيان هذا، وأسقط به سؤال الزمخشري وجوابه، فقال :" وكأن الزمخشري فهم من قوله :" ووَدُّوا " أنه معطوف على جواب الشرط، والذي يظهر أنه ليس معطوفاً عليه ؛ لأن ودادتهم كفرهم ليست مرتبة على الظفر بهم والتسليط عليهم، بل هم
١٢
وادُّون كفرهم على كل حال سواء ظفروا بهم أم لم يظفروا " انتهى.
قال شهاب الدين :" والظَّاهر أنه عطف على الجواب، وقوله : هم وادُّون ذلك مطلقاً مسلم، لكن ودَادَتَهُم له عند الظَّفر والتسليط أقرب وأطمع لهم فيهم ".
وقوله :﴿لَوْ تَكْفُرُونَ﴾.
يجوز أن يكون لما سيقع لوقوع، وأن تكون المصدرية عند من يرى ذلك.
وتقدم تحريرهما في البقرة.
فصل في معنى الآية والمعنى : ودوا لو تكفرون بمحمد ﷺ فلا تناصحوهم، فإنهم لا يناصحونكم.
جزء : ١٩ رقم الصفحة : ١٢