سهيل بن عمرو، ولم يأته أحد من الرجال إلا ردّه في تلك المدة وإن كان مسلماً، حتى أنزل الله في المؤمنات ما أنزل، يومىء إلى أن الشرط في رد النساء نسخ بذلك.
وقيل : إن التي جاءت أميمة بنت بشر كانت عند ثابت بن الشمراخ، ففرت منه، وهو يومئذ كافرٌ، فتزوَّجها سهيل بن حنيف، فولدت له عبد اللهز قاله زيد بن حبيب، نقله الماورديّ.
وأكثر أهل العلم أنها أم كلثوم بنت عقبة.
قوله :﴿الْمُؤْمِنَاتُ﴾.
تسمية للشيء بما يدلي إليه ويقاربه ويشارفه ؛ أو في الظاهر.
وقرىء " مُهَاجِرَاتٌ " - بالرفع - وخرجت على البدل.
فصل في دخول النساء عقد المهادنة لفظاً أو عموماً اختلفوا هل دخل النساء في عقد المهادنة لفظاً أو عموماً ؟ فقالت طائفة : كان شرط ردهن في عقد الهُدنة صريحاً، فنسخ الله ردّهن من العقد ومنع منه، وبقاه في الرجال على ما كان، وهذا يدل على أن للنبي ﷺ أن يجتهد رأيه في الأحكام، ولكن لا يقرّه الله على خطأ.
وقالت طائفة : لم يشترط ردّهن في العقد لفظاً، وإنما أطلق العقد في ردِّهن أسلم، فكان ظاهر العموم اشتماله عليهن مع الرجال، فبين الله تعالى خروجهن عن عمومه، وفرق بينهن وبين الرجال لأمرين : أحدهما : انهن ذوات فروج يحرمن عليهم.
الثاني : أنهن أرقّ قلوباً، وأسرع تقلباً منهم، فأما المقيمة منهن على شركها فمردودة عليهم.
ومن أسلمت فلا تردوها.
قوله :﴿فَامْتَحِنُوهُنَّ﴾.
قيل : إنه كان من أرادت منهن إضرار زوجها، قالت : سأهاجر إلى محمد ﷺ فلذلك أمر النبي ﷺ بامتحانهن، واختلفوا فيما كان يمتحنهن به.
فقال ابن عباس : كان يمتحنهن بأن يُسْتَحْلَفْنَ بالله أنها ما خرجت من بغض زوجها.
٢٣
ولا رغبة من أرض إلى أرض، ولا التماس دنيا، ولا عشقاً لرجل من المسلمين، ولا لحدث أحدثته، وما خرجت إلى رغبة في الإسلام، وحب الله ورسوله، فإذا حلفت بالله الذي لا إله إلا هو على ذلك أعطى النبي ﷺ زوجها مهرها، وما أنفق عليها، ولم يردها، فذلك قوله تعالى :﴿فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلاَ تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لاَ هُنَّ حِلٌّ لَّهُمْ وَلاَ هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ﴾.
وروي عن ابن عباس أيضاً : أن المحنة كانت أن تشهد أن لا إلا إلا الله، وأن محمداً رسول الله.
وروى معمر عن الزهري عن عائشة - رضي الله عنها - قالت : ما كان رسول الله ﷺ يمتحنهن إلا بالآية التي قال الله تعالى :﴿إِذَا جَآءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَن لاَّ يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئاً﴾.
خرجه الترمذي.
وقال حديث حسن صحيح.
فصل قال أكثر العلماء على أن هذا ناسخ لما كان عليه الصلاة والسلام عاهد عليه قريشاً من أنه يرد عليهم من جاءه منهم مسلماً، فنسخ من ذلك النساء.
وهذا مذهب من يرى نسخ السنة بالقرآن.
فصل قال القرطبي : ولا يجوز أن يهادن الإمام العدو على أن يرد عليهم من جاءه مسلماً ؛ لأن إقامة المسلم بأرض الشرك لا تجوز، وهذا مذهب الكوفيين، وأجاز مالك عقد الصلح على ذلك.
واحتج الكوفيون " بأنَّ رسول الله ﷺ بعث خالد بن الوليد إلى قوم خثعم، فاعتصموا بالسجود فقتلهم، فوداهم رسول الله ﷺ [نصف الدية] وقال :" أنَا بَريءٌ مِن كُلِّ مسلمٍ
٢٤
أقَامَ مع مُشركٍ بدارِ الحَرْبِ لا تَرَءَى نَاراهُما " قالوا : فهذا ناسخ لرد المسلمين إلى المشركين، إذ كان رسول الله ﷺ قد برىء ممن أقام معهم في دار الحرب.
ومذهب مالك والشافعيِّ أن هذا الحكم غير منسوخ.
قال الشافعي : وليس أحد هذا العقد إلا الخليفة أو [رجل] يأمره، فمن عقد غير الخليفة هذا العقد فهو مردود.
قوله :﴿اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ﴾.
هذه الجملة فائدتها بيان أنه لا سبيل لكم إلى ماتطمئن به النفس ويثلج الصدر من الإحاطة بحقيقة إيمانهن، فإن ذلك مما استأثر الله به.
قاله الزمخشري.
أي : هذا الامتحان لكم، والله اعلم بإيمانهن، لأنه متولي السرائر، وسمَّى الظن الغالب في قوله :﴿عَلِمْتُمُوهُنَّ﴾ علماً لما بينهما من القرب كما يقع الظَّن موقعه، وتقدم ذلك في البقرة.
قوله :﴿فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ﴾.
أي : بما يظهرن من الإيمان.
وقيل : أي : علمتموهن مؤمنات قبل الامتحان ﴿فَلاَ تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لاَ هُنَّ حِلٌّ لَّهُمْ﴾ وقوله :﴿وَلاَ هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ﴾ تأكيد للأول لتلازمهما.
وقيل : أراد استمرار الحكم بينهم فيما يستقبل كما هو في الحال ما داموا مشركين وهن مؤمنات.
فصل في معنى الآية معنى الآية : لم يحل الله مؤمنة لكافر، وهذا أول دليل على أنَّ الذي أوجب فرقة المسلمة من زوجها الكافر إسلامها لا هجرتها.
وقال أبو حنيفة : الذي فرق بينهما هو اختلاف الدَّارين.
والصحيح الأول ؛ لأن الله - تعالى - بين العلّة، وهو عدم الحل بالإسلام لا باختلاف الدار.
قوله :﴿وَآتُوهُم مَّآ أَنفَقُواْ﴾.
٢٥