دار الحرب، أو في دار الإسلام، وإن كان أحدهما في دار الحرب، والآخر في دار الإسلام انقطعت العصمة بينهما.
وقد تقدم ان اعتبار الدار ليس بشيء، وهذ الخلاف إنما هو في المدخول بها.
وأما غير المدخول بها، فلا نعلم خلافاً في انقطاع العصمة بينهما، ولا عدة عليها، هكذا يقول مالك رحمه الله في المرأة ترتد وزوجها مسلم : تنقطع العصمة بينهما لقوله تعالى :﴿وَلاَ تُمْسِكُواْ بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ﴾، وهو قول الحسن البصري والحسن بن صالح.
وقال الشافعي وأحمد :[ينظر إلى تمام] العدة.
[فإن كان الزوجان نصرانيين فأسلمت الزوجة، فمذهب مالك والشافعي، وأحمد توقف إلى تمام العدة، وهو قول مجاهد].
وكذلك الوثني تسلم زوجته، إن أسلم في عدَّتها، فهو أحق بها، كما كان صفوان بن أمية وعكرمة بن أبي جهل أحق بزوجتيهما لما أسلما في عدتيهما، لما ذكر مالك في " الموطأ ".
[قال ابن شهاب : كان بين إسلام صفوان وبين إسلام امرأته نحو شهر].
قال ابن شهاب : ولم يبلغنا أن امرأة هاجرت إلى رسول الله ﷺ وزوجها كافر مقيم بدار الحرب، إلاَّ فرقت هِجْرتُهَا بينها وبين زوجها إلى أن يقدم زوجها مهاجراً قبل أن تنقضي عدتها، وقال بعضهم : ينفسخ النكاح بينهما، لما روى يزيد بن علقمة قال : أسلم جدي، ولم تسلم جدتي، ففرق بينهما عمر - رضي الله عنه - وهو قول طاوس والحسن وعطاء وعكرمة، قالوا : لا سبيل له عليها إلا بخطبة.
قوله :﴿وَاسْأَلُواْ مَآ أَنفَقْتُمْ وَلْيَسْأَلُواْ مَآ أَنفَقُواْ﴾.
قال المفسرون : كان من ذهب من المسلمات مرتدات إلى الكفار من أهل العهد يقال للكفار، هاتوا مهرها، وكان ذلك إنصافاً وعدلاً بين الحالتين.
قال ابن العربي رحمه الله : كان هذا حكم الله، مخصوصاً بذلك الزمان في تلك النازلة خاصة.
قال الزهريُّ : ولولا هذه الهدنة، والعهد الذي كان بين رسول الله ﷺ وبين قريش
٣٠
يوم الحديبية، لأمسك النساء، ولم يرد الصَّداق، وكذلك يفعل بمن جاءه من المسلمات قبل العهد، فلما نزلت هذه الآية أُخطر المؤمنون بحكم الله عزَّ وجلَّ وأدوا ما أمروا به من نفقات المشركين على نسائهم، وأبى المشركون أن يقروا بحكم الله، فيما أمروا به من أداء نفقات المسلمين، فأنلز الله - عز وجل - ﴿وإن فاتكم شيء أيها المؤمنون﴾.
قوله :﴿ذَلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ﴾ أي بما ذكر في هذه الآية، ﴿وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾.
قوله :﴿يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ﴾.
فيه وجهان : أحدهما : انه مستأنف لا محلَّ له من الإعراب.
والثاني : انه حال من :" حكم الله "، والراجع إما مستتر أي : يحكم هو، أي الحكم على المبالغة، وإما محذوف، أي : يحكمه، وهو الظاهر.
قوله :﴿مِّنْ أَزْوَاجِكُمْ﴾.
يجوز أن يتعلق بـ " فاتكم " أي : من جهة أواجكم، يراد بالشيء المهر الذي غرمه الزوج، كما تقدم.
ويجوز أن يتعلق بمحذوف، على أنه صفة لـ " شيء ".
ثم يجوز في " شيء "، أن يراد به : المهر، ولكن على هذا، فلا بد من حذف مضاف، أي : من مهور أزواجكم ليتطابق الموصوف وصفته.
ويجوز أن يراد بـ " شيء " [النساء، أي : بشيء من النساء، أي : نوع وصف منهن، وهو ظاهر وصفه بقوله :﴿مَّنْ أَزْوَاجِكُمْ﴾.
وقد صرَّح الزمخشري بذلك، فإنَّه قال : وإن سبقكم وانفلت منكم شيء من أزواجكم أحد منهن إلى الكُفَّار، وفي قراء أبي مسعود :" أحد ".
فهذا تصريح بأن المراد بـ " شيء " : النساء الفارات]، ثم قال : فإن قلت : هل لإيقاع شيء في هذا الموضع فائدة ؟ قلت : نعم، الفائدة فيه ألا يغادر شيء من هذا الجنس، وإن قلَّ وحقر غير معوض عنه، تغليظاً في هذا الحكم وتشديداً فيه، ولولا نصّه على أنَّ المراد بـ " شيء " : أحد، كام تقدم، لكان قوله :" لا أن يغادر شيء من هذا الجنس وإن قل وحقر "، ظاهراً في أن المراد بـ " شيء " : المهر ؛ لأنه وعد بالقلة والحقارة وصفاً سائغاً وقوله :" تغليظاً " فيه نظر ؛ لأن المسلمين ليس لهم تسبب في فرار النساء إلى الكفار، حتى يغلظ عليهم الحكم بذلك.
٣١