وعدي :" فات " بـ " إلى " ؛ لأنه ضمن معنى الفرار والذهاب والسبق ونحو ذلك.
قوله :﴿فَعَاقَبْتُمْ﴾، عطل على " فاتكم ".
وقرأ العامة :" عاقتبم ".
وفيه وجهان : أحدهما : أنه من العقوبة، قال الزجاج :" فعَاقَبْتُم " فأصبتموهم في القتال بعقوبة حتى غنمتم.
والثاني : أنَّه من العُقْبة، وهي التوبة، شبه ما حكم به على المسلمين، والكافرين من أداء هؤلاء مهور النساء أولئك تارة، وأولئك مهور نساء هؤلاء أخرى، بأمر يتعاقبون فيه، كما يتعاقب في الركوب وغيره، ومعناه : فجاءت عقبتكم من أداء المهر.
انتهى.
وقرأ مجاهد والأعرج والزهري وأبو حيوة وعكرمة وحميد : بتشديد القاف دون ألف.
ففسرها الزمخشري على أصله يعقبه : إذا قفاه ؛ لأن كل واحد من المتعاقبين، يقفي صاحبه، وكذلك عقبتم - بالتخفيف - يقال : عقبه يعقبه انتهى.
والذي قرأه بالتخفيف وفتح القاف : النخعي، وابن وثاب، والزهري، والأعرج أيضاً.
وبالتخفيف، وكسر القاف : مسروق، والزهري، والنخعي أيضاً.
وعن مجاهد : أعقبتم.
قال الزمخشري : معناه : دخلتم في العقبة.
قال البغوي :" معناه : أي : صنعتم بهم، كما صنعوا بكم ".
وفسَّر الزجاج القراءات الباقية : فكانت العقبى : أي : كانت الغلبة لكم حتى غنمتم.
والظَّاهر أنه كما قال الزمخشريُّ : من المعاقبة بمعنى المناوبة.
يقال : عاقب الرجل صاحبه في كذا، أي : جاء فعل كل واحد منهما يعقب فعل الآخر، ويقال : أعقب - أيضاً.
وأنشد بعضهم رحمه الله :[الطويل]
٣٢
٤٧٦١ - وحَارَدَتِ النُّكْدُ الجِلادُ ولَمْ يَكُنْ
لِعُقبَةِ قِدْرِ المُستعيرِينَ مُعْقِبُ
جزء : ١٩ رقم الصفحة : ٢٢
قوله تعالى :﴿ يا أيها الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا جَآءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ﴾ الآية لما أمر المسلمين بترك موالاة [المشركين] اقتضى ذلك مهاجرة المسلمين من بلاد الشرك إلى بلاد الإسلام، وكان التناكح من أوكد أسباب المولاة، فبين أحكام مهاجرة النساء.
قال ابن عباس رضي الله عنهما : جرى الصُّلح مع مشركي قريش عام الحديبية على أن من أتاه من أهل " مكة " رده إليهم، فجاءت سبيعة بنت الحارث الأسلمية بعد الفراغ من الكتاب، والنبي ﷺ بالحديبية بعد، فأقبل زوجها - وكان كافراً - وهو صيفي بن راهب.
وقيل : مسافر المخزومي، فقال : يا محمد، اردد عليّ امرأتي فإنك شرطت ذلك، وهذه طينة الكتاب لم تجف بعد، فأنزل الله - تعالى - هذه الآية.
وقيل :" جاءت أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط، فجاء أهلها يسألون رسول الله ﷺ أين يردها.
وقيل : هربت من زوجها عمرو بن العاص، ومعها أخواها عمارة والوليد، فرد رسول الله إخوتها، وحبسها فقالوا للنبيّ ﷺ ردها علينا للشرط، فقال النبي ﷺ : كان الشَّرط في الرجال لا في النساء "، فأنزل الله - تعالى - هذه الآية.
وعن عروة قال : كان مما اشترط سهيل بن عمرو على النبيِّ ﷺ في الحديبية ألاَّ يأتيك منا أحد وإن كان على دينك إلا ردتته إلينا، وخليت بيننا وبينه فكرة المؤمنون ذلك، وأبى سهيل إلا ذلك، فكاتبه النبي ﷺ على ذلك، فردّ يومئذ أبا جندل إلى أبيه
٢٢
سهيل بن عمرو، ولم يأته أحد من الرجال إلا ردّه في تلك المدة وإن كان مسلماً، حتى أنزل الله في المؤمنات ما أنزل، يومىء إلى أن الشرط في رد النساء نسخ بذلك.
وقيل : إن التي جاءت أميمة بنت بشر كانت عند ثابت بن الشمراخ، ففرت منه، وهو يومئذ كافرٌ، فتزوَّجها سهيل بن حنيف، فولدت له عبد اللهز قاله زيد بن حبيب، نقله الماورديّ.
وأكثر أهل العلم أنها أم كلثوم بنت عقبة.
قوله :﴿الْمُؤْمِنَاتُ﴾.
تسمية للشيء بما يدلي إليه ويقاربه ويشارفه ؛ أو في الظاهر.
وقرىء " مُهَاجِرَاتٌ " - بالرفع - وخرجت على البدل.
فصل في دخول النساء عقد المهادنة لفظاً أو عموماً اختلفوا هل دخل النساء في عقد المهادنة لفظاً أو عموماً ؟ فقالت طائفة : كان شرط ردهن في عقد الهُدنة صريحاً، فنسخ الله ردّهن من العقد ومنع منه، وبقاه في الرجال على ما كان، وهذا يدل على أن للنبي ﷺ أن يجتهد رأيه في الأحكام، ولكن لا يقرّه الله على خطأ.
وقالت طائفة : لم يشترط ردّهن في العقد لفظاً، وإنما أطلق العقد في ردِّهن أسلم، فكان ظاهر العموم اشتماله عليهن مع الرجال، فبين الله تعالى خروجهن عن عمومه، وفرق بينهن وبين الرجال لأمرين : أحدهما : انهن ذوات فروج يحرمن عليهم.
الثاني : أنهن أرقّ قلوباً، وأسرع تقلباً منهم، فأما المقيمة منهن على شركها فمردودة عليهم.
ومن أسلمت فلا تردوها.
قوله :﴿فَامْتَحِنُوهُنَّ﴾.
قيل : إنه كان من أرادت منهن إضرار زوجها، قالت : سأهاجر إلى محمد ﷺ فلذلك أمر النبي ﷺ بامتحانهن، واختلفوا فيما كان يمتحنهن به.
فقال ابن عباس : كان يمتحنهن بأن يُسْتَحْلَفْنَ بالله أنها ما خرجت من بغض زوجها.
٢٣