يوم الحديبية، لأمسك النساء، ولم يرد الصَّداق، وكذلك يفعل بمن جاءه من المسلمات قبل العهد، فلما نزلت هذه الآية أُخطر المؤمنون بحكم الله عزَّ وجلَّ وأدوا ما أمروا به من نفقات المشركين على نسائهم، وأبى المشركون أن يقروا بحكم الله، فيما أمروا به من أداء نفقات المسلمين، فأنلز الله - عز وجل - ﴿وإن فاتكم شيء أيها المؤمنون﴾.
قوله :﴿ذَلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ﴾ أي بما ذكر في هذه الآية، ﴿وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾.
قوله :﴿يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ﴾.
فيه وجهان : أحدهما : انه مستأنف لا محلَّ له من الإعراب.
والثاني : انه حال من :" حكم الله "، والراجع إما مستتر أي : يحكم هو، أي الحكم على المبالغة، وإما محذوف، أي : يحكمه، وهو الظاهر.
قوله :﴿مِّنْ أَزْوَاجِكُمْ﴾.
يجوز أن يتعلق بـ " فاتكم " أي : من جهة أواجكم، يراد بالشيء المهر الذي غرمه الزوج، كما تقدم.
ويجوز أن يتعلق بمحذوف، على أنه صفة لـ " شيء ".
ثم يجوز في " شيء "، أن يراد به : المهر، ولكن على هذا، فلا بد من حذف مضاف، أي : من مهور أزواجكم ليتطابق الموصوف وصفته.
ويجوز أن يراد بـ " شيء " [النساء، أي : بشيء من النساء، أي : نوع وصف منهن، وهو ظاهر وصفه بقوله :﴿مَّنْ أَزْوَاجِكُمْ﴾.
وقد صرَّح الزمخشري بذلك، فإنَّه قال : وإن سبقكم وانفلت منكم شيء من أزواجكم أحد منهن إلى الكُفَّار، وفي قراء أبي مسعود :" أحد ".
فهذا تصريح بأن المراد بـ " شيء " : النساء الفارات]، ثم قال : فإن قلت : هل لإيقاع شيء في هذا الموضع فائدة ؟ قلت : نعم، الفائدة فيه ألا يغادر شيء من هذا الجنس، وإن قلَّ وحقر غير معوض عنه، تغليظاً في هذا الحكم وتشديداً فيه، ولولا نصّه على أنَّ المراد بـ " شيء " : أحد، كام تقدم، لكان قوله :" لا أن يغادر شيء من هذا الجنس وإن قل وحقر "، ظاهراً في أن المراد بـ " شيء " : المهر ؛ لأنه وعد بالقلة والحقارة وصفاً سائغاً وقوله :" تغليظاً " فيه نظر ؛ لأن المسلمين ليس لهم تسبب في فرار النساء إلى الكفار، حتى يغلظ عليهم الحكم بذلك.
٣١
وعدي :" فات " بـ " إلى " ؛ لأنه ضمن معنى الفرار والذهاب والسبق ونحو ذلك.
قوله :﴿فَعَاقَبْتُمْ﴾، عطل على " فاتكم ".
وقرأ العامة :" عاقتبم ".
وفيه وجهان : أحدهما : أنه من العقوبة، قال الزجاج :" فعَاقَبْتُم " فأصبتموهم في القتال بعقوبة حتى غنمتم.
والثاني : أنَّه من العُقْبة، وهي التوبة، شبه ما حكم به على المسلمين، والكافرين من أداء هؤلاء مهور النساء أولئك تارة، وأولئك مهور نساء هؤلاء أخرى، بأمر يتعاقبون فيه، كما يتعاقب في الركوب وغيره، ومعناه : فجاءت عقبتكم من أداء المهر.
انتهى.
وقرأ مجاهد والأعرج والزهري وأبو حيوة وعكرمة وحميد : بتشديد القاف دون ألف.
ففسرها الزمخشري على أصله يعقبه : إذا قفاه ؛ لأن كل واحد من المتعاقبين، يقفي صاحبه، وكذلك عقبتم - بالتخفيف - يقال : عقبه يعقبه انتهى.
والذي قرأه بالتخفيف وفتح القاف : النخعي، وابن وثاب، والزهري، والأعرج أيضاً.
وبالتخفيف، وكسر القاف : مسروق، والزهري، والنخعي أيضاً.
وعن مجاهد : أعقبتم.
قال الزمخشري : معناه : دخلتم في العقبة.
قال البغوي :" معناه : أي : صنعتم بهم، كما صنعوا بكم ".
وفسَّر الزجاج القراءات الباقية : فكانت العقبى : أي : كانت الغلبة لكم حتى غنمتم.
والظَّاهر أنه كما قال الزمخشريُّ : من المعاقبة بمعنى المناوبة.
يقال : عاقب الرجل صاحبه في كذا، أي : جاء فعل كل واحد منهما يعقب فعل الآخر، ويقال : أعقب - أيضاً.
وأنشد بعضهم رحمه الله :[الطويل]
٣٢
٤٧٦١ - وحَارَدَ‍تِ النُّكْدُ الجِلادُ ولَمْ يَكُنْ
لِعُقبَةِ قِدْرِ المُستعيرِينَ مُعْقِبُ
جزء : ١٩ رقم الصفحة : ٢٢


الصفحة التالية
Icon