قال البغوي :" وكلها لغات بمعنى واحد، يقال : عَاقَبَ وأعقَبَ وتعقَّب وتعَاقَبَ واعتقَبَ، إذا غنم ".
وقيل : التعقيب : غزوة بعد غزوة' فصل روي أن المسلمين قالوا : رضينا بما حكم الله، وكتبوا غلى المشركين فامتنعوا، فنزل قوله تعالى :﴿وَإِن فَاتَكُمْ شَيْءٌ مِّنْ أَزْوَاجِكُمْ إِلَى الْكُفَّارِ فَعَاقَبْتُمْ فَآتُواْ الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْوَاجُهُمْ مِّثْلَ مَآ أَنفَقُواْ﴾.
روى الزُّهري عن عروة عن عائشة - رضي الله عنها وعنهم - قالت : حكم الله عز وجل بينهم، فقال - جل ثناؤه - :﴿وَاسْأَلُواْ مَآ أَنفَقْتُمْ وَلْيَسْأَلُواْ مَآ أَنفَقُواْ﴾، فكتب إليهم المسلمون : قد حكم الله - عز وجل - بيننا بأنه إذا جاءتكم امرأة منا، أن توجهوا إلينا بصداقها، وإن جاءتنا امرأة منكم، وجهنا إليكم بصداقها، فتكبوا إليهم : إما نحن، فلا نعلم لكم عندنا شيئاً، فإن كان لن عندكم شيء، فوجهوا به، فأنزل الله تعالى :﴿وَإِن فَاتَكُمْ شَيْءٌ مِّنْ أَزْوَاجِكُمْ إِلَى الْكُفَّارِ فَعَاقَبْتُمْ فَآتُواْ الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْوَاجُهُمْ مِّثْلَ مَآ أَنفَقُواْ﴾.
الآية.
وقال ابن عبَّاس رضي الله عنهما في قوله تعالى :﴿ذَلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ﴾ أي : بين المسلمين والكفار من أهل العهد من أهل مكة، يرد بعضهم على بعض.
قال الزهريُّ : ولولا العهد، لأمسك النساء، ولم يرد إليهم صداقاً.
وقال قتادة ومجاهدٌ : إنَّما أمروا أن يعطوا الذين ذهبت أزواجهم مثل ما أنفقوا من الفيء والغنيمة، وقالا : هي فيما بيننا وبينه عهد وليس بيننا وبينه عهد، وقالا : ومعنى ﴿فَعَاقَبْتُمْ﴾ فاقتصصتم.
﴿فآتوا الذين ذهبت أزواجهم مثل ما أنفقوا﴾ يعني : الصفات، فهي عامة في جميع الكفار.
٣٣
وقيل : فعاقبتم المرتدة بالقتل.
وقال قتادة أيضاً : وإن فاتكم شيء من أزواجكم، إلى الكفار، الذي ليس بينكم وبينهم عهد، فآتوا الذين ذهبت أزواجهم مثل ما أنفقوا، ثم نسخ هذا في سورة براءة.
وقال الزهريُّ : انقطع هذا يوم الفتح.
وقال سفيان الثورري : لا يعمل به اليوم.
وقال قوم : هو ثبات الحكم الآن أيضاً.
حكاه القشيري.
فصل قال القرطبي : الآية نزلت في أم الحكم بنت أبي سفيان، ارتدت وتركت زوجها عياض بن غنم الفهري، ولم ترتد امرأة من قريش غيرها، ثم عادت إلا الإسلام.
وقال البغويُّ : رويعن ابن عبَّاسٍ قال : لحق بالمشركين من نساء المؤمنين المهاجرات، ست نسوة : أم الحكم بنت أبي سفيان، وكانت تحت عياض بن شداد الفهري، وفاطمة بنت أبي أمية بن المغيرة، كانت تحت عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فلما أراد عمر أن يهاجر أبت وارتدت، وبروعُ بنت عقبة، وكانت تحت شماس بن عثمان، وغرة بنت عبد العزيز بن نضلة، وزوجها عمرو بن عبد ودّ، وهند بنت أبي جهل بن هشام كانت تحت هشام بن العاص بن وائل، وأم كلثوم بنت جرول، وكانت تحت عمر بن الخطاب، فلام رجعن إلى الإسلام، أعطى رسول الله ﷺ ازواجهن مهور نسائهم من الغنيمة.
فصل في رد مهر من أسلمت اختلفوا في رد مهر من أسلمت من النساء إلى ازواجهن، هل كان واجباً، أو مندوباً ؟ وأصله أن الصلح هل كان قد وقع على رد النساء ؟ على قولين : أحدهما : أنه وقع على رد الرجال، والنساء جميعاً، لما روي من قولهم : لا بأتيك منا أحد، إلا رددته، ثم صار الحكم في رد النساء منسوخاً بقوله :﴿فَلاَ تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ﴾، فعلى هذا كان رد المهر واجباً.
والثاني : أن الصلح لم يقع على ردّ النساء ؛ لانه روي أنه لا يأتيك منَّا رجل، وإن كان على دينك إلا رددته، وذلك ؛ لأن الرجل لا يخشى عليه من الفتنة في الرد ما يخشى على المرأة من إصابة المشرك إياها، وأنه لا يؤمن عليها اردة إذا خوفت، وأكرهت
٣٤
عليها ؛ لضعف قلبها، وقلة هدايتها إلى المخرج منه، بإظهار كلمة الكفر مع التورية، وإضمار الإيمان، ولا يخشى ذلك على الرجل لقوته، وهدايته إلى التقية، فعلى هذا كان رد المهر مندوباً.
واختلفوا في أنه يجب به العمل اليوم في رد المال إذا اشترط في معاقدة الكفار فقال عطاء ومجاهد وقتادة : لا يجب، وزعموا أن الآية منسوخة.
وقيل : هي غير منسوخة، ويرد إليهم ما أنفقوا.

فصل في معنى الآية.


معنى الآية : إن لحقت امرأة مؤمنة بكفار أهل " مكة "، وليس بينكم وبينهم عهد، ولها زوج مسلم قبلكم، فغنمتم فأعطوا هذا الزَّوج المسلم مهره من الغنيمة قبل أن تخمس، [وهو قول ابن عبَّاس رضي الله عنهما].
وقال الزهري : يعطى من الفيء.
وعنه : يعطى من صداق من لحق منا.
وقيل : إن امتنعوا من أن يغرموا مهر هذه المرأة التي ذهبت إليهم، فانبذوا العهد إليهم حتى إذا ظفرتم، فخذوا ذلك منهم ﴿وَاتَّقُواْ اللَّهَ﴾، أي : احذروا أن تتعذوا ما أمرتم به.
جزء : ١٩ رقم الصفحة : ٢٢


الصفحة التالية
Icon