قوله تعالى :﴿ يا أيها النَّبِيُّ إِذَا جَآءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ﴾ الآية.
لما فتح رسول الله ﷺ " مكة "، جاءه نساء أهل " مكة " يبايعنه، فأمر أن يأخذ عليهن أن لا يشركن.
قالت عائشة رضي الله عنها :" والله ما أخذ رسول الله ﷺ قط إلا بما أمر الله - عز وجل - وما مست كفر رسول الله ﷺ كف امرأة قط، وكان يقول إذا أخذ عليهن :" قَدْ بايعْتُكنَّ " كلاماً
٣٥
وروي أنه - عليه الصلاة والسلام -، بايع النساء، وبين يديه وأيديهن ثوب، وكان يشترط عليهن.
وقيل : لما فرغ من بيعة الرجال جلس على الصفا، ومعه عمر بن الخطَّاب رضي الله عنه أسفل منه، فجعل يشترط على النساء البيعة، وعمر يصافحهن.
وروي أنَّه كلف امرأة وقف على الصفا، وكلفها أن تبايعهن، ففعلت.
قال ابن العربي : وذلك ضعيف، وإنما التعويل على ما في صحيح مسلم من حديث عائشة رضي الله عنه المتقدم.
قالت : كانت المؤمنات إذا هاجرن إلى رسول الله ﷺ يمتحنهن بقول الله تعالى :﴿ يا أيها النَّبِيُّ إِذَا جَآءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَن لاَّ يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئاً وَلاَ يَسْرِقْنَ وَلاَ يَزْنِينَ﴾ إلى آخر الآية، قالت عائشة :" فمن أقر بهذا من المؤمنات، فقد أقر بالمحنة، وكان رسول الله ﷺ إذا أقررن بذلك من قولهن، قال لهن رسول الله ﷺ :" انْطَلقْنَ فَقَدْ بَايَعْتُكُنَّ "، لا والله ما مَسَّتُ يد رسول الله ﷺ يد امرأة قط، غير أنه بايعهن بالكلام " وقالت أمُّ عطيَّة رضي الله عنها :" لما قدم رسول الله المدينة جمع نساء الأنصار في بيت، ثم أرسل إلينا عمر بن الخطاب، فقام على الباب فسلَّم فرددن عليه السلام فقال : أنا رسول رسول الله ﷺ إليكن :" ألا تشركن بالله شيئاً " الآية، فقلن : نعم، فمد يده من خارج البيت، ومددنا أيدينا من داخل البيت، ثم قال : اللَّهُمَّ اشْهَدْ " وروى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده : أن النبي ﷺ كان إذا بايع النساء دعا بقدح من ماء فغمس يده فيه، ثم أمر النساء فغمسن أيديهن فيه.
فصل روي " أن النبي ﷺ لما فرغ من بيعة الرجال يوم فتح " مكة "، وهو على الصفا، وعمر بن الخطَّاب أسفل منه يبايع النساء بأمر رسول الله ﷺ يبلغهن عنه، على ألاَّ يشركن بالله شيئاً، وهند بنت عتبة امرأة أبي سفيان منتقبة متنكرة مع النساء خوفاً من رسول الله
٣٦
صلى الله عليه وسلم أن يعرفها لما صنعته بحمزة يوم أحد، فقالت : والله إنك لتأخذ علينا أمراً ما رأيتك أخذته على الرجال، وكان بايع الرجال يومئذ على الإسلام، والجهاد فقط، فقال النبي ﷺ :" ولاَ يَسْرِقْنَ "، فقالت هند : إن أبا سفيان رجل شحيح وإني أصبت من ماله قوتنا، فلا أدري أيحلّ لي أم لا ؟.
فقال أبو سفيان : ما أًبت من شيء فيما مضى وفيما غبر، فهو لك حلال، فضحك رسول الله ﷺ، فقال لها : وإنَّك لهِنْدُ بِنْتُ عتبة ؟ قالت : نعم، فاعف عني ما سلف، فقال عَفَا اللَّهُ عنكِ، ثم قال :﴿وَلاَ يَزْنِينَ﴾ فقالت عند : أو تزنِي الحُرَّة ؟ فقال :﴿وَلاَ يَقْتُلْنَ أَوْلاَدَهُنَّ﴾، أي : لا يئدن الموءودات ولا يسقطن الأجنة، فقالت هند : ربَّيناهُمْ صغاراً وقتلتهم كباراً، فضحك عمر حتى استلقى، وتبسَّم رسول الله ﷺ، ثم قال :" ولا يَأتينَ بِبُهتانٍ يَفْتَرينهُ بيْنَ أيديهنَّ وأرجلهنَّ " قال أكثر المفسرين : معناه لا يلحقن بأزواجهن ولداً من غيرهم، وكانت المرأة تلتقط ولداً، فتلحقه بزوجها وتقول : هذا ولدي منك، فكان هذا من البهتان والافتراء ؛ لأن النهي عن الزنا قد تقدم.
وقال بعض المفسرين : المرأة إذا التقطت ولداً، كأنَّما التقطت بيدها ومشت برجلها إلى أخذه، فإذا أضافته إلى زوجها، فقد أتت ببهتان تفتريه بين يديها ورجليها.
وقيل : يفترينه على أنفسهن حيث يقلن : هذا ولدنا، وليس كذلك، إذ الولد ولد الزنا.
وقيل : ما بين يديها ورجليها كناية عن الولد ؛ لأن البطن التي تحمل فيه الولد بين يديها، وفرجها الذي تلد منه بين رجليها، وهذا عام في الإتيان بولد، وإلحاقه بالزوج، وإن سبق النهي عن الزنا.
وقيل : معنى " بين أيديهن " : ألسنتهن بالنميمة، و " بين أرجلهن " : فروجهن.
وقيل : ما بين أيديهن من قبلة أو جسة، وبين أرجلهن الجماع.
وروي أن هنداً لما سمعت ذلك قالت : والله إن البهتان لأمر قبيح ما تأمر إلا بالأرشد، ومكارم الأخلاق، ثم قال :﴿وَلاَ يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ﴾ أي : في كل أمر وافق طاعة الله.
قال بكر بن عبد الله المزنيُّ : في كل أمر في رشدهن.
٣٧