- - وكذَّبني، قال : فجاء عمّي إليَّ فقال : ما أردت إلى أن مقتك رسولُ الله ﷺ وكذبك، والمنافقون.
قال : فوقع عليّ من جرأتهم مالم يقع على أحدٍ.
قال : فبينما أسير مع رسول الله ﷺ قد خفقتُ برأسي من الهمْ إذ أتاني رسول الله ﷺ فعرك في أذني وضحك في وجهي، فما كان يسرّني أنَّ لي بها الخُلد في الدنيا، ثم إن أبا بكرٍ لحقني فقال : ما قال لك رسول الله ﷺ ؟ قلت : ما قال لي شيئاً إلا أنه عرك أذني، وضحك في وجهي، فقال : أبْشِرْ ثم لحقني عمرُ، فقلتُ له مثل قولي لأبي بكر، فلما أصبحنا قرأ رسولُ الله ﷺ سورة المنافقين ".
قال الترمذي : هذا حديث حسن صحيح.

فصل في المنافق سُئلَ حُذيفةُ بنُ اليمانِ عن المنافقِ، فقال : الذي يصفُ الإسلامَ ولا يعملُ به.


وروى أبو هريرة رضي الله عنه " أن النبي ﷺ قال :" آيةُ المُنافقِ ثلاثٌ : إذا حدَّث كَذَبَ، وإذَا وعَدَ أخْلف، وإذا ائتُمِنَ خَانَ " وروى عبدُ الله بن عمر، " أن رسول الله ﷺ قال :" أربعٌ من كُنَّ فيه كانَ مُنافقاُ خَالِصاً، ومَنْ كَانَتْ فِيهِ خَصْلأةٌ مِنهُنَّ كَانَتْ فيه خَصْلَةٌ من النِّفاقِ حتَّى يدعها : إذا ائتُمِنَ خَانَ، وإذَا حدَّث كَذَبَ، وإذَا عَاهَدَ غَدَرَ، وإذَا خَاصَمَ فَجَرَ " وروي عن الحسن أنه ذُكِرَ له هذا الحديثُ، فقال : إن بني يعقوب حدَّثوا فكذبُوا، ووعدوا فأخلفوا وائتمنوا فخانوا.
إنما هذا القول من النبي ﷺ على سبيل الإنذار للمسلمين، والتحذير لهم أن يعتادوا هذه الخصال شفقاً أن تفضي بهم إلى النفاق.
وليس المعنى : أن من بدرت منه هذه الخصالُ من غير اختيارٍ واعتيادٍ أنه منافقٌ وقال - عليه الصلاة والسلام - " المُؤمِنُ إذَا حدَّثَ صَدَقَ، وإذَا وَعَدَ نجَّزَ، وإذا ائتُمِنَ وفَّى " والمعنى : أن المؤمن الكامل إذا حدَّث صدق.
١٠٢
قوله :" نَشْهَدُ ".
يجري مجرى القسم كفعلِ العلم واليقين، ولذلك تلقي بما يتلقى به القسم في قوله :﴿إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ﴾.
وفي قوله :[الكامل] ٤٧٧٠ - ولَقَدْ عَلِمْتُ لتَأتِيَنَّ مَنِيَّتِي
إنَّ المَنَايَا لا تَطِيشُ سِهَامُهَا
جزء : ١٩ رقم الصفحة : ١٠٠
وقد تقدم [الخلاف] في الصدق والكذب، واستدلالهم بهذه الآية، والجواب عنها في أول البقرة.
وقال القرطبي هنا : معنى " نَشْهَدُ " نحلفُ، فعبر عن الحلف بالشهادة ؛ لأن كل واحدٍ من الحلف والشهادة إثباتٌ لأمر مُغَيَّب، ومنه قول قيس بن ذريح :[الطويل] ٤٧٧١ - وأشْهَدُ عِنْدَ اللَّهِ أني أحِبُّهَا
فَهَذَا لَهَا عِنْدِي، فَمَا عِنْدهَا لِيَا ؟
ونظيره قول الملاعن : أشهدُ بالله.
قال الزمخشري :" والشهادة تجري مجرى الحلف في التوكيد.
يقول الرجلُ : أشهدُ، وأشهدُ بالله، وأعزمُ، وأعزمُ بالله في موضع " أقْسِمُ وأُولي "، وبه استشهد أبو حنيفة على أن " أشهدُ " يمين ".
ويحتمل أن يكون ذلك محمولاً على ظاهره أنهم يشهدون أن محمد رسول الله ﷺ اعترافاً بالإيمان ونفياً للنفاق عن أنفسهم وهو الأشبه.
قوله :﴿وَاللَّهُ يَعْلَمُ﴾.
جملة معترضة بين قوله :﴿نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ﴾ وبين قوله :﴿وَاللَّهُ يَشْهَدُ﴾ [لفائدة.
قال الزمخشري :" ولو قال :" قالوا : نشهد إنك لرسول الله، واللَّهُ يشهدُ إنَّهُم لكاذبُون " لكان يُوهِمُ أن قولهم هذا كذبٌ، فوسط بينهما قوله : واللَّهُ يعلمُ إنَّكَ لرسُولُه " ليُميطَ هذا الإبهام ".
قال القرطبي :﴿والله يعللم إنك لرسوله﴾ كما قالوه بألسنتهم]، ﴿وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ﴾ بضمائرهم، فالتكذيبُ راجع إلى الضمائر وهذا يدلُّ على أن الإيمان.
١٠٣
تصديقُ القلب، وعلى أنَّ الكلام الحقيقي كلامُ القلب، ومن قال شيئاً واعتقد خلافه فهو كاذبٌن وقيل : أكذبهم الله في أيمانهم، وهو قوله :﴿وَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنَّهُمْ لَمِنكُمْ﴾ [التوبة : ٥٦].
قال ابن الخطيب : فإن قيل : لو قالوا : نعلم إنَّك لرسولُ الله مكان قولهم : نشهد إنَّكَ لرسُولُ اللَّهِ، تفيد ما أفاد قولهم : نشهد ؟ فالجواب : لا ؛ لن قولهم :" نَشهَدُ إنَّك لرسُولُ اللَّهِ " صريحٌ في الشَّهادة على إثبات الرسالة، وقولهم : نعلم ليس بصريح في ذلك.
قوله :﴿اتَّخَذُوا ااْ أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً﴾.
قد تقدم الكلام أنه يجوز أن يكون جواباً للشرط.
ويجوز أن يكون مستأنفاً جيء به لبيان كذبهم وحلفهم عليه، أي أنَّ الحامل لهُم على الإيمانِ اتقاؤهم بها عن أنفسهم.
والعامة : على فتح الهمزة، جمع يمين.
اولحسن : بكسرها مصدراً.
وتقدم مثله في " المجادلة "، والجُنَّةُ : التُّرْس ونحوه، وكل ما يقيك سوءاً.
ومن كلام الفصحاء :[جُبَّةُ البرد] جُنَّةُ البردِ.
قال أعشى همدان الشاعر :[الطويل] ٤٧٧٢ - إذَا أنْتَ لَمْ تَجْعَلْ لعرضِكَ جُنَّةً


الصفحة التالية
Icon