مِنَ المَالِ سَارَ الذَّمُّ كُلَّ مَسِيرِ
جزء : ١٩ رقم الصفحة : ١٠٠
فصل قال القطربي وغيره : اتَّخذُوا أيمانهُم جُنَّةً، أي : سُترةً، وليس يرجع إلى قوله :﴿نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ﴾ وإنَّما يرجعُ إلى سبب الآيةِ التي نزلت عليه حسب ما ذكره البخاري والترمذي عن أبيّ أنه حلف ما قال، وقد قال، ـ وقال الضحاك : يعني : حلفهم بالله " إنهم لمنكم ".
وقيل : يعني بأيمانهم ما أخبر الرب عنهم في سورة " براءة " في قوله :﴿يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُواْ﴾ [التوبة : ٧٤].
١٠٥
فصل في نص اليمين قال القرطبي :" من قال : أقسمُ باللَّهِ، وأشهد بالله، أو أعزم بالله، أو أحلف بالله، أو أقسمت بالله، أو شهدت، أو عزمت، أو حلفت، وقال في ذلك كله :" بالله " فلا خلاف أنها يمينٌ، وكذلك عند مالكٍ وأصحابه أن من قال : أقسمُ، أو أشهد، أو أعزم، أو أحلف، ولم يقل " بالله " إذا أراد " بالله "، وإن لم يرد " بالله " فليس بيمن ".
وقال أبو حنيفة وأصحابه : لو قال : أشهد بالله لقد كان كذا كان يميناً، ولو قال : أشهد لقد كان كذا - دون النية - كان يميناً لهذه الآية ؛ لأن الله تعالى ذكر منهم الشهادة ثم قال :﴿اتَّخَذُوا ااْ أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً﴾.
وعند الشافعي : لا يكون ذلك يميناً وإن نوى اليمينَ ؛ لأنَّ قوله تعالى :﴿اتَّخَذُوا ااْ أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً﴾ ليس يرجعُ إلى قوله :" قالوا : نَشهدُ "، وإنما يرجعُ إلى ما في براءة من قوله تعالى :﴿يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُواْ﴾.
قوله :﴿فَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ اللَّهِ﴾.
أي : أعرضوا، وهو من الصُّدود، أو صرفوا المؤمنين عن إقامة حدود الله عليهم من القَتْل، والسبي، وأخذ الأموال، فهو من لاصَّدِّ، أو منعوا الناس عن الجهاد بأن يتخلفوا أو يقتدي بهم غيرهم.
وقيل : فصدوا اليهود والمشركين عن الدُّخول في الإسلام بأن يقولوا : ها نحن كافرون بهم، ولو كان ما جاء به محمد حقّاً لعرف هذا منا، ولجعلنا نكالاً، فبيَّن الله أنَّ حالهم لا يخفى عليه، ولكن حكمه أن من أشهر [الإيمان] أجري عليه في الظَّاهر حكم الإيمان.
قوله :﴿إِنَّهُمْ سَآءَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ﴾.
أي : سيئت أعمالهم الخبيثةُ في نفاقهمن وأيمانهم الكاذبةِ، وصدِّهم عن سبيل الله.
و " ساء " يجوز أن تكون الجارية مجرى " بِئْسَ "، وأن تكون على بابها، والأول أزظهر وقد تقدم حكم كل منها.
فإن قيل : إنه تعالى ذكر أفعال الكفرة من قبل، ولم يقل : إنَّهم ساء ما كانوا يعملون ؟.
قال ابن الخطيب : والجواب أن أفعالهم مقرونة بالإيمان الكاذبة التي جعلوها
١٠٥
جُنَّة أي : سُترة لأموالهم ودمائهم عن أن يستبيحها المسلمون.
قوله :﴿ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُواّ ثُمَّ كَفَرُوا﴾.
هذا إعلامٌ من الله بأن المنافقين كفار، إذْ أقروا باللسان ثم كفروا بالقلب.
وقيل : نزلت الآية في قوم آمنوا ثم ارتدوا ﴿فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ﴾ أي ختم عليها الكفر ﴿فَهُمْ لاَ يَفْقَهُونَ﴾ الإيمان ولا الخير.
وقرأ العامَّةُ :" فَطُبِعَ " مبنياً للمفعول، والقائم مقام الفاعل الجار بعده.
وزد بن علي :" فَطَبعَ " مبنياً للفاعل.
وفي الفاعل وجهان : أحدهما : أنه ضمير عائد على الله تعالى، ويدل عليه قراءة الأعمشِ، وقراءته في رواية عنه :" فَطَبَعَ اللَّهُ " مُصرحاً بالجلالة الكريمة.
وكذلك نثقله القرطبي عن زيد بن علي.
فإن قيل : إذا كان الطَّبْع بفعل الله - تعالى - كان ذلك حجة لهم على الله تعالى فيقولون : إعراضنا عن الحق لغفلتنا بسبب أنه - تعالى - طبع على قلوبنا ؟.
فأجاب ابن الخطيب : بأن هذا الطبع من الله - تعالى - لسوء أفعالهم، وقصدهم الإعراض عن الحق فكأنه تعالى تركهم في أنفسهم الجاهلة وغوايتهم الباطلة.
والثاني : أن الفاعل ضميرٌ يعودُ على المصدر المفهوم مما قبله، أي : فطبع هو أي يلعبهم بالدين.
قوله :﴿وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ﴾.
أي : هيئاتهم، ومناظرهم، ﴿وَإِن يَقُولُواْ تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ﴾ يعني : عبد الله بن أبي وقال ابن عباس : كان عبد الله بن أبي وسيماً جسيماً صحيحاً صبيحاً ذلق اللسان، فإذا قال سمع النبي ﷺ مقالته، وصفه الله بتمامِ الصُّورةِ وحسن الإبانةِ.
وقال الكلبي : المراد ابن أبي وجدُّ بن قيس ومعتِّب بن قشير، كانت لهم أجسام ومنظر وفصاحة.
١٠٦