الحوفي، لما فيه من معنى الوعيد، كأنه قال : والله يعاقبكم يوم يجمعكم.
وبـ " اذكر " مضمراً عند الزمخشري، فيكون مفعولاً به.
أو بما دلّ عليه الكلام، أي يتفاوتون يوم يجمعكم.
قاله أبو البقاء.
وقرأ العامَّة :" يَجْمعُكُمْ " بفتح الياء وضم العين.
ورُوي سكونُها وإشمامها عن أبي عمرو، وهذا منقول عنه في الراء نحو " ينصركُمْ " وبابه كما تقدم في البقرة.
وقرأ يعقوب وسلام وزيد بن علي والشعبي ونصر وابن أبي إسحاق والجحدري :" نَجْمعُكُمْ " بنون العظمة، اعتباراً بقوله :﴿وَالنّورِ الَّذِى أَنزَلْنَا﴾.
والمراد بـ " يَوْمَ الجَمْعِ " أي : يوم القيامة، يوم يجمع الله الأولين والآخرين والإنس والجن وأهل السماء وأهل الأرض.
وقيل : يوم يجمع الله بين كل عبد وعمله.
وقيل : يجمع فيه بين الظالم والمظلوم.
وقيل : يجمع فيه بين كل نبي وأمته.
وقيل : يجمع فيه ثواب أهل الطاعات وعقاب أهل المعاصي.
قوله :﴿ذَلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ﴾.
تَّغَابُن " تفاعل من الغبن في البيع والشراء على الاستعارة، وهو أخذ الشيء بدون قيمته.
وقيل : الغبن : الإخفاء، ومنه غبن البيع لاستخفائه، والتفاعل هنا من واحد لا من اثنين.
ويقال : بنت الثوب وخبنته، أي : أخذت ما طال منه من مقدارك : فهو نقص وإخفاء.
وفي التفسير : هو أن يكتسب الرجل مالاً من غير وجهه فيرثه غيره، فيعمل فيه بطاعة الله، فيدخل الأول النار، والثاني الجنة بذلك المال، فذلك هو الغَبْن البَيَّن والمغابن : ما انثنى من البدن نحو الإبطين والفخذين.
١٣٠
والمغبون : من غبن في أهله ومنازله في الجنة، ويظهر يؤمئذ غَبْن كُلِّ كافر بتركه الإيمان، وغبن كل مؤمن بتقصيره في الإحسان وتضييعه الأيام.
قال الزجاج : ويغبن من ارتفعت منزلته في الجنة بالنسبة إلى من هو أعلى منزلة منه.
فإن قيل : فأيُّ معاملة وقعت بينهما حى يقع الغبن فيها ؟ فالجواب : هو تمثل للغَبْنِ في الشِّراء والبيع كقوله :﴿أُوْلَـائِكَ الَّذِينَ اشْتَرُواْ الضَّلاَلَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَتْ تِّجَارَتُهُمْ﴾ [البقرة : ١٦]، فلما ذكر أن الكفار اشتروا الضلالة بالهدى وما ربحوا في تجارتهم بل خَسِرُوا، ذكر أيضاً أنهم غُبِنُوا، وذلك أن أهل الجنة اشتروا الآخرة بترك الدنيا، واشترى أهل النار الدنيا بترك الآخرة، وهذا نوع مبادلة اتساعاً ومجازاً، وقد فرق الله الخلق فريقين : فريقاً للجنة وفريقاً في السعير.
وقال الحسن وقتادة : بلغنا أن التغابن على ثلاثة أصناف.
رجل علم علماً فضيعه ولم يعمل به فشقي به، ورجل علم علماً وعمل به فنجا به، ورجل اكتسب مالاً من وجوه يُسألُ عنها وشحَّ عليه وفرط في طاعة ربه بسببه، ولم يعمل فيه خيراً وتركه لوارث لا حساب عليه، فعمل ذلك الوارث في بطاعة ربه، ورجل كان له عبد، فعمل العبد بطاعة ربه فسعد، وعمل السيد بمعصية ربه فشقي.
وروى القرطبي عن النبي ﷺ :" إنَّ اللَّهَ تَعَالَى يٌقِيمُ الرَّجُلَ والمَرْأةَ يَوْم القِيامَةِ بَيْنَ يَديْهِ، فيقُولُ اللَّهُ تَعَالى لَهُمَا : قُولا مَا أنتما بِقَائِلين، فيقُولُ الرَّجُلُ : يَا ربِّ أوْجَبْتَ نَفَقَتَهَا عليَّ فَتَعَسَّفْتُها من حلالٍ أو مِنْ حَرامٍ، وهؤلاءِ الخُصُومُ يَطْلبُونَ ذلِكَ، ولِمْ يَبْقَ لي ما أوفِّي فتقُولُ المَرْأةُ : يا ربِّ، وما عَسَى أَن أقُولَ، اكتسَبَهُ حَرَاماً وأكَلْتُهُ حلالاً، وعَصَاكَ فِي مَرْضَاتِي ولَمْ أرْضَ لَهُ بِذَلِكَ، فبُعْداً لَهُ ومُحْقاً، فيقُولُ اللَّهُ تعالى : قَدْ صَدَقْتَ فيُؤمَرُ بِهِ إلى النَّارِ، ويُؤمَرُ بِهَا إلى الجَنَّةِ فتطلعُ عليْهِ من طبقَاتِ الجَنَّة، فتقُولُ لَهُ : غَبنَّاكَ غَبنَّاكَ، سَعِدْنَا بِمَا شَقِيتَ أنت ؛ فذَلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ "
١٣١