أو لاثنين " - ؛ قال أبو البقاء :] و " لامُ " أَلْفَيْنَا " واوٌ ؛ لأن الأصل فيما جُهل من اللاَّمات أن تكون واواً، يعني : فإنه أوسع وأكثر ؛ فالرَّدُّ إليه أولى.
ومعنى الآية : أنَّ الله - تبارك وتعالى - أمرهم بأن يتَّبعوا ما أنزل الله في تحليل ما حرَّموا على أنفسهم من الحرث، والأنعام، اولبحيرة، والسَّائبة.
أو ما أنزل الله من الدَّلائل الباهرة، قالوا : لا نتَّبع ذلك، وإنما نتبع آباءنا، وأسلافنا، فعارضوه بالتَّقليد، فأجابهم الله تعالى بقوله :﴿أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ﴾، فالهمزة في " أَوَلَوْ " للإنكار، وأما الواو، [ففيها قولان : أحدهما - قاله الزمخشريُّ - : أنَّها واو الحال.
والثاني - قال به أبو البقاء، وابن عطيَّة - : أنَّاه للعطف، وقد تقدَّم الخلاف في هذه الهمزة الواقعة قبل " الواو " و " الفاء " و " ثُمَّ "، هل] بعدها جملة مقدَّرةٌ، وهو رأي الزمخشري ؛ ولذلك قدَّر ههنا :" أَيَتَّبِعُونَهُمْ، وَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ شَيْئاً مِنَ الدِّينِ، وَلاَ يَهْتَدُونَ لِلصَّوَابِ ؟ " أو النية بها التأخير عن حرف العطف ؟ وقد جمع أبو حيَّان بين قول الزمخشريِّ، وقول ابْنِ عَطيَّة، فقال : والجمع بينهما : أنَّ هذه الجملة المصحوبة بـ " لَوْ " في مثل هذا السِّياق جملةٌ شرطيةٌ، فإذا قال :" اضْرِبْ زَيْداً، وَلَوْ أَحْسَنَ إِلَيْكض "، فالمعنى :" وَإِنْ أَحْسَنَ إِلَيْكَ " وكذلك :" أَعْطُوا السَّائِلَ، وَلَوْ جَاءَ عَلَى فَرَس " " رُدُّوا السَّائِلَ، وَلَوْ بِشِقَّ تَمْرَةٍ "، المعنى فيهما " وإِنْ " وتجيء " لَوْ " هنا ؛ [تنبيهاً] على أنَّ ما بعدها لم يكن يناسب ما قبلها، لكنَّها جازت لاستقصاء الأَحوال التي يقع فيها الفعل، ولتدلَّ على أن المراد بذلك وجود الفعلفي كلِّ حالٍ ؛ حتَّى في هذه الحال الَّتي لا تناسب الفعل ؛ ولذلك لا يجوز :" اضْرِبْ زَيْداً، وَلَوْ أَسَاءَ إِلَيْكَ "، ولا " أَعْطُوا السَّائِلَ، وَلَوْ كَانَ مُحْتَاجاً " فإذا تقرَّر هذا، فالواو في " وَلَوْ " في الأمثلة التي ذكرناها عاطفةٌ على حالٍ مقدَّرة، والمعطوف على الحال حالٌ ؛ فصحَّ أن يقال : إنَّها
١٥٨
للحال من حيث عطفها جملةً حاليَّةً على حالٍ مقدَّرةٍ، وَصَحَّ أن يقال : إنَّها للعطف من حيث ذلك العطف، فالمعنى - والله أعلم - : أنها إنكارُ اتِّبَاعِ آبائهم في كلِّ حالٍ ؛ حتى في الحالة الَّتي لا تناسب أن يتبعوهم فيها، وهي تلبُّسهم بعدم العقل والهداية ؛ ولذلك لا يجوز حذف هذه الواو الداخلة على " لَوْ " إذا كانت تنبيهاً على أنَّ ما بعدها لم يكن مناسباً ما قبلها، وإن كانت الجملة الحاليَّةُ فيها ضميرٌ عائدٌ على ذي الحال ؛ لأنَّ مجيئها عاريةً من هذه الواو مؤذنٌ بتقييد الجملة السَّابقة بهذه الحال، فهو ينافي استغراق الأحوال ؛ حتى هذه الحال، فهما معنيان مختلفان ؛ ولذلك ظهر الفرق بين :" أَكْرِمْ زَيْداً، لَوْ جَفَاكَ "، وبين :" أَكْرِمْ زَيْداً، وَلَوْ جَفَاكَ ".
انتهى.
وهو كلامٌ حسنٌ.
وجواب " لو " محذوفٌ، تقديره :" لاَتَبَعُوهُمْ " وقدره أبو البَقَاءِ :" أفكَانُوا يَتَّبِعُونَهُمْ ؟ " وهي تفسير معنًى لأن " لَوْ " لا تجاب بهمزة الاستفهام، قال بعضهم : ويقال لهذه الواو أيضاً واو التَّعَجُّب دخلت عليها ألأف الاستفهام للتوبيخ.
فصل في بيان " معنى التقليد " قال القرطبيُّ : التقليد عند العلماء :" حقيقةُ قَبُولِ قَوْلٍ بلا حُجَّةٍ " ؛ وعلى هذا فمن قبل قول النبيِّ ﷺ من غير نظرٍ في معجزته، يكون مقلِّداً، وأمَّا من نظر فيها، فلا يكون مقلِّداً.
وقيل :" هو اعتقادُ صٍحَّة فُتْيَا مَنْ لا يَعْلَم صحَّة قوله "، وهو في اللُّغة مأخوذٌ من قلادة البعير، تقول العرب : قلَّدت البعير ؛ إذا جعلت في عنقه حبلاً يقاد به ؛ فكأنَّ المقلِّد يجعل أمره كلَّه لمن يقوده حيث شاء ؛ ولذلك قال شاعرهم :[البسط] ٨٩١ - وَقَلِّدُوا أَمْرَكُمْ لِلَّهِ دَرُّكُمُ
ثَبْتَ الجَنَانِ بَأَمْرِ الحَرْبِ مُضْطَلِعا
جزء : ٣ رقم الصفحة : ١٥٦
فصل في المراد بالآية والمعنى :" أَيَتَّبِعُونَ آباءَهُمْ، وإن كانوا جُهَّالاً لا يَعْقِلُون شيئاً "، لفظه عامٌّ، ومعناه الخصوص ؛ لأنهم كانوا لا يعقلون كثيراً من أمور الدنيا ؛ فدلَّ هذا على أنهم لا يعقلون شيئاً من الدِّين، ولا يهتدون إلى كيفيَّة اكتسابه.
وقوله " شيئاً " فيه وجهان : أحدهما : أنه مفعول به ؛ فيعمُّ جميع المعقولات ؛ لأنَّها نكرةٌ في سياق النفي، ولا يجوز أن يكون المراد نفي الوحدة، فيكون المعنى : لا يعقلون شيئاً " بَلْ أَشْيَاءً من العَقْلِ " وقدَّم نفي العقل على نفي الهداية ؛ لأنَّه يصدرعنه جميع التصرُّفات.
١٥٩