وقال ابن عبَّاس : أراد بذلك المرأة التي وهبت نفسها للنبي ﷺ فلم يقبلها، والمرأة أم شريك، قاله عكرمة.
وقيل : إن التي حرّم ما رية القبيطة، وكان قد أهداها له المقوقس ملك " الإسكندرية ".
قال ابنُ إسحاق : هي من كورة " أنْصِنا " من بلد يقال له :" حفْن "، فواقعها في بيت حفصة.
روى الدار قطني عن ابن عباس عن عمر رضي الله عنهم قال :" دخل رسولُ الله ﷺ بأم ولده، مارية في بيت حفصة، فوجدته حفصة معها، فقالت له : تدخلها بيتي ؟ ما صنعت بي هذا من بين نسائك إلا من هواني عليك، فقال لها : لا تذكري هذا لعائشة، فهي عليّ حرام إن قربتها، قالت حفصة : فكيف تحرم عليك وهي جاريتك ؟ فحلف لها ألا يقربهان فقال النبي ﷺ :" لا تَذْكُرِيهِ لأَحدٍ "، فذكرته لعائشة، فآلى لا يدخل على نسائه شهراً، فاعتزلهن تسعاً وعشرين ليلةً، فأنزل الله تعالى :﴿ يا أيها النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَآ أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ﴾ " الآية.
قال القرطبي : أصح هذه الأقوال أولها، وأضعفها أوسطها.
قال ابن العربي :" أما ضعفه في السند، فلعدم عدالة رواته، وأما ضعفه في معناه فلأن رد النبي ﷺ الموهوبة ليس تحريماً لها ؛ لأن من رد ما وُهِبَ له لم يَحْرُمُ عليه، إنما حقيقة التحريم بعد التحليل، وأما ما روي أنه حرم ماية القبطية، فهو أمثل في السند، وأقرب إلى المعنى، لكنه لم يدون في الصحيح بل روي مرسلاً، وإنما الصحيح أنه كان في العسل، وأنه شربه عند زينب، وتظاهرت عليه عائشة وحفصة، فحلف أن لا يشربه، وأسر ذلك، ونزلت الآية في الجميع ".
١٨٦
فصل في هل التحريم يمين ؟ قوله تعالى :﴿لِمَ تُحرِّمُ﴾ إن كان النبي ﷺ حرم ولم يحلف، فليس ذلك بيمين، ولا يحرم قول الرجل :" هذَا عليَّ حَرامٌ " شيئاً، حاشاً الزوجية.
وقال أبو حنيفة : أذا أطلق حمل على المأكول والمشروب، دون الملبوس، وكانت يميناً توجب الكفارة.
وقال زفر : هو يمين في الكل، حتى في الحركة والسكون، واستدل المخالفة بأن النبي ﷺ حرَّم العسل، فلزمته الكفَّارة، وقد قال تعالى :﴿قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ﴾ فسماه يميناً.
قال القرطبي : ودليلنا قول الله تعالى :﴿ يا أيها الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُحَرِّمُواْ طَيِّبَاتِ مَآ أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُوا ااْ﴾ [المائدة : ٨٧].
وقوله تعالى :﴿قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَّآ أَنزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِّن رِّزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِّنْهُ حَرَاماً وَحَلاَلاً قُلْ ءَآللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ﴾ [يونس : ٥٩].
فذم اللَّهُ المُحَرِّمَ للحلال، ولم يوجب عليه كفارة.
قال الزجاجُ : ليس لأحدٍ أن يحرم ما أحلَّ الله، ولم يجعل لنبيه ﷺ أن يحرم إلا ما حرم الله عليه.
فمن قال لزوجته أو أمته، أنت عليَّ حرام، فإن لم يَنْوِ طلاقاً، ولا ظهاراً فهذا اللفظ يوجب عليه كفارة يمين، ولو خاطب بهذا اللفظ جمعاً من الزوجات والإماء، فعليه كفارة واحدة.
ولو حرم على نفسه طعاماً، أو شيئاً آخر لم يلزمخ بذلك كفارة عند الشافعي ومالك، ويجب بذلك كفارة عند ابن مسعود والثوري وأبي حنيفة.
فصل في اختلافهم هل التحريم طلاق ؟ إذا قال الرَّجُلُ لزوجته :" أنْتِ عليَّ حَرَامٌ ".
قال القرطبيُّ :" فيه ثمانية عشر قولاً : أحدها : لا شيء عليه، وبه قال الشعبي، ومسروق، وربيعة، وأبو سلمة، وأصبغ، وهو عندهم كتحريم الماءِ، والطعام، قوله تعالى :﴿ يا أيها الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُحَرِّمُواْ طَيِّبَاتِ مَآ أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ﴾ [المائدة : ٨٧].
والزوجة من الطَّيِّبات، ومما أحل الله.
وقوله تعالى :﴿وَلاَ تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَـذَا حَلاَلٌ وَهَـاذَا حَرَامٌ﴾ [النحل : ١١٦].
١٨٧