قوله تعالى :﴿ يا أيها الَّذِينَ آمَنُواْ قُوا ااْ أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً﴾.
" قُوْا " أمر من الوقاية، فوزنه " عُو " ؛ لأن الفاء حذفت لوقوعها في المضارع بين ياء وكسرة، وهذا محمول عليه، واللام حذفت حملاً له على المجزوم ؛ لأن أصله " أوقبوا " كـ " اضربوا " فحذفت الواو التي هي فاء لما تقدم، واستثقلت الضمة على الياء، فالتقى ساكنانِ، فحذفت الياء ؛ وضم ما قبل الواو لتصح.
وهذا تعليل البصريين.
ونقل مكي عن الكوفيين : أن الحذف عندهم فرقا بين المتعدي، والقاصر،
٢٠٤
فحذفت الواو التي هي فاء في " يَقِي "، ويَعِد " لتعديهما، ولم يحذف من " يَوْجَلُ " لقصوره.
قال :" ويرد عليهم نحو : يَرمِ، فإنه قاصر، ومع ذلك فقد حذفوا فاءه ".
قال شهاب الدين : وفي هذا نظر ؛ لأن " يَوْجَلُ " لم تقع فيه الواو بين ياء وكسرة لا ظاهرة ولا مضمرة.
وقلت : ولا مضمرة، تحرُّزاً من " تَضَع، وَيَسَع، ويهب ".
وقرأ بعضهم :" وأهْلُوكُمْ ".
وخرجت على العطف على الضَّمير المرفوع بـ " قُوْا "، وجوز ذلك الفصل بالمفعول قال الزمخشريُّ بعد ذكره القراءة وتخريجها : فإن قلت : أليس التقديرُ :" قُوا أنفُسكُمْ وليَقِ أهلوكم أنفسهم " ؟.
قلت : لا، ولكن المعطوف في التقدير مقارن للواو، و " أنْفُسَكُمْ " واقع بعده، كأنه قيل : قوا أنتم، وأهلوكم أنفسكم، لما جمعت مع المخاطب الغائب غلبته عليه، فجعلت ضميرهما معاً على لفظ المخاطب.
قوله :" ناراً " مفعول ثانٍ، " وقُودُهَا النَّاسُ " صفة لـ " نَاراً " وكذلك " عَليْهَا مَلائكةٌ "، ويجوز أن يكون الوصف وحده " عَليْهَا "، و " مَلائِكَةٌ " فاعل به، ويجوز أن يكون حالاً لتخصيصها بالصفة الأولى، وكذلك ﴿لاَّ يَعْصُونَ اللَّهَ﴾.
وتقدم الخلاف في واو ﴿وَقُودُهَا﴾ [البقرة : ٢٤] ضمّاً وفتحاً في " البقرة ".

فصل في معنى الآية قال الضحاك : المعنى : قو أنفسكم ؛ وأهلوكم، فيلقوا أنفسهم ناراً.


٢٠٥
وروي عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عبَّاس - رضي الله عنهما - : قوا أنفسكم وأمروا أهليكم بالذكر، والدعاء، حتى يقيهم الله بكم.
وقال علي - رضي الله عنه - وقتادة ومجاهدٌ : قوا أنفسكم بأفعالكم، وقوا أهليكم بوصيتكم.
قال ابن العربي : وهو الصحيحُ، والفقهُ الذي يعطيه العطفُ الذي يقتضي التشريك بين المعطوف ؛ والمعطوف عليه في معنى الفعل.
كقوله :[الرجز] ٤٧٨٨ - عَلَفْتُهَا تِبْناً ومَاءً بَارِداً
........................
جزء : ١٩ رقم الصفحة : ٢٠٤
وكقوله :[مجزوء الكامل] ٤٧٨٩ - ورَأيْتُ زَوْجِكِ فِي الوَغَى
مُتَقلِّداً سَيْفاً ورُمْحاً
فعلى الرجل أن يصلح نفسه بالطاعة، ويصلح أهله صلاح الراعي للرعيَّة.
قال - عليه الصلاة والسلام - :" " كُلُّكُمْ راعٍ، وكُلُّكُمْ مسْئُولٌ عن رعيَّتِهِ، فالإمامُ الَّذي على النَّاسِ راعٍ وهُوَ مَسْئُولٌ عَنهُمْ، والرَّجلُ راعٍ على أهْلِ بَيْتهِ وهُوَ مسْئُولٌ عَنْهُمْ " قال الحسن في هذه الآية : يأمرهم، وينهاهم.
وقال بعض العلماء لما قال :" قُو أنفُسَكُمْ " : دخل فيه الأولاد ؛ لأن الولد بعض منه كما دخلوا في قوله تعالى :﴿وَلاَ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَن تَأْكُلُواْ مِن بُيُوتِكُمْ﴾ [النور : ٦١]، وقوله - عليه الصلاة والسلام - :" إنَّ أحلَّ مَا أكلَ الرَّجلُ من كسْبِهِ، وإنَّ ولدُ مِنْ كسْبِهِ " فلم يفرد بالذّكر إفراد سائر القرابات، فيعلمه الحلال والحرام، ويجنبه المعاصي والآثام إلى غير ذلك من الأحكام.
وقال - عليه الصلاة والسلام - :" حَقُّ الولِد على الوالِدِ، أنْ يُحْسِنَ اسْمَهُ، ويُعلِّمهُ الكِتابَةَ، ويزَوِّجهُ إذا بلَغَ "
٢٠٦


الصفحة التالية
Icon