وقال - عليه الصلاة والسلام - :" مَا نَحَلَ والدٌ ولَداً أفْضَل مِنْ أدبٍ حسنٍ " وقال - عليه الصلاة والسلام - :" مُرُوا أبْناءَكُمْ بالصَّلاة لسَبْعٍ ؛ واضْربُوهُمْ على تَرْكِهَا لعشْرٍ، وفرِّقُوا بَيْنَهُم في المَضَاجِعِ " قال بعض العلماء : ويخبر أهله بوقت الصلاة، ووجوب الصيام.
وقال - عليه الصلاة والسلام - :" رَحِمَ اللَّهُ امْرءاً قَامَ مِنْ اللَّيلِ يُصلِّي، فأيقظَ أهلَهُ، فإنْ لَمْ تَقُم رشَّ على وجهِهِا المَاءَ، ورحِمَ اللَّهُ امْرَأةً قَامضتْ في اللَّيْلِ تَصلِّي، وأيْقَظَتْ زوْجَهَا، فإنْ لم يَقُمْ رشَّتْ على وجْهِهِ المَاء " وذكر القشيريُّ قال : فلما نزلت هذه الآية، " قال رجلٌ : يا رسول الله، نقي أنفسنا، فكيف لنا بأهلينا ؟.
فقال :" تنهونهم عما نهاكم الله، وتأمرونهم بما أمر الله ".
وقال مقاتلٌ : ذلك حق عليه في نفسه، وولده، وأهله، وعبيده، وإمائه " قال إلكيا : فعلينا تعليم أولادنا، وأهلينا الدين، والخير، وما لا يستغنى عنه من الأدب.
وهو قوله تعالى :﴿وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاَةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا﴾ [طه : ١٣٢]، وقوله للنبي ﷺ ﴿وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ﴾ [الشعراء : ١٤].
وتقدم الكلام على قوله :﴿وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ﴾ في " البقرة ".
٢٠٧
فصل في مخاطبة الله تعالى للمؤمنين قال ابن الخطيب : فإن قيل : إنه - تعالى - خاطب المشركين في قوله تعالى :﴿فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ وَلَن تَفْعَلُواْ فَاتَّقُواْ النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ﴾ [البقرة : ٢٤]، ثم قال :﴿أَعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ﴾ فما معنى مخاطبته للمؤمنين بذلك ؟ فالجوابُ : أن الفساق، وإن كانت دركاتهم فوق دركات الكُفَّار، فإنهم مع الكُفَّار في دار واحدة، فقيل للذين آمنوا :" قُوا أنفُسَكُمْ " باجتناب الفسوقِ ومجاورة الذين أعدت لهم هذه النار، ولا يبعد أن يأمرهم بالتوقِّي عن الارتداد.
قوله :﴿عَلَيْهَا مَلاَئِكَةٌ غِلاَظٌ شِدَادٌ﴾.
يعني الزَّبَانية، غلاظ القلوب لا يرحمون إذا استرحموا، خلقوا من الغضب، وحبب إليهم عذاب الخلقِ، كما حبب لبني آدم الطعام، والشراب " شِدادٌ "، أي : شداد الأبدان وقيل : غلاظ الأقوال شدادُ الأفعالِ.
وقيل :" غِلاظُ " في أخذهم أهل النار " شِدادٌ " عليهم، يقال : فلان شديد على فلان، أي : قوي عليه يعذبه بأنواع العذاب.
وقيل : أغلاض أجسامهم ضخمة " شِدادٌ " أي : أقوياء.
قال ابن عبَّاس : مابين منكبي الواحد منهم مسيرة سنة.
" وقال - عليه الصلاة والسلام - في خزنة جهنم :" مَا بَيْنَ منْكبَيْ أحدهِمْ كَمَا بَيْنَ المَشْرقِ والمَغْربِ " قوله :﴿لاَّ يَعْصُونَ اللَّهَ مَآ أَمَرَهُمْ﴾.
يجوز أن تكون " ما " بمعنى " الذي "، والعائد محذوف، أي :" مَا أمَرَهُمُوهُ "، والأصل :" بِهِ "، لا يقال : كيف حذف العائد المجرور، ولم يجر الموصول بمثله ؟ لأنه يطرد حذف هذا الحرف فلم يحذف إلا منصوباً.
وأن تكون مصدرية، ويكون محلها بدلاً من اسم الله بدل اشتمال، كأنه قيل : لا يعصون أمره.
وقوله :﴿وَيَفْعَلُونَ﴾.
قال الزمخشريُّ :" فإن قلت : أليست الجملتان في معنى واحد ؟.
٢٠٨
قلت : لا ؛ لأن الأولى معناها : أنهم يقبلون أوامره ويلتزمونها.
والثانية : معناها أنهم يؤدّون ما يؤمرون به لا يتثاقلون عنه، ولا يتوانون فيه ".
وقال القرطبي :﴿لاَّ يَعْصُونَ اللَّهَ مَآ أَمَرَهُمْ﴾ أي : لا يخالفونه في أمر من زيادة، أو نقصان ﴿وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ﴾ في وقته لا يقدمونه، ولا يؤخرونه.
وقيل : أي : لذتهم في امتثال أمر اللَّهِ، كما أن سرور أهل الجنة في الكون في الجنة، ذكره بعض المعتزلة، وعندهم أنه يستحيل التكليف غداً، ولا يخفى معتقد أهل الحقِّ في أن الله يكلف العبد اليوم وغداً، ولا ينكر التكليف غداً في حق الملائكةِ، ولله أن يفعل ما يشاء.
جزء : ١٩ رقم الصفحة : ٢٠٤
أي : فإن عذركم لا ينفع، وهذا النهي لتحقيق اليأس ﴿إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ في الدنيا، ونظيره :﴿فَيَوْمَئِذٍ لاَّ ينفَعُ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مَعْذِرَتُهُمْ﴾ [الروم : ٥٧].
جزء : ١٩ رقم الصفحة : ٢٠٨
قوله تعالى :﴿ يا أيها الَّذِينَ آمَنُواْ تُوبُوا ااْ إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحاً﴾.
فرأ الجمهور : بفتح نون " نَصُوحاً ".
فهي صيغة مبالغة أسند النصح إليها مجازاً، وهي من : نصح الثوب، أي : خاطة فكأنه التائب يرقع ما حرقه بالمعصية.
وقيل : هي من قولهم : عسل ناصح، أي : خالص.
وقرأ أبو بكر : بضم النون.
وهو مصدر " نَصَحَ "، يقال : نصح نصحاً ونصوحاً، نحو : كَفَر كُفْراً وكُفُوراً، وشَكَرَ شُكْراً وشُكُوراً ".
وفي انتصابه أوجه :
٢٠٩