من أهل السنَّةِ من يقف على قوله :﴿يَوْمَ لاَ يُخْزِى اللَّهُ النَّبِيَّ﴾، ومعناه لا يخزيه في رد الشفاعة، والإخزاء : الفضيحة، أي : لا يفضحهم بين يدي الكفار، ويجوز أن يعذبهم على وجه لا تقف الكفرة عليه.
قوله :﴿وَالَّذِينَ﴾ يجوز فيه وجهان : أحدهما : أن يكون منسوقاً على " النَّبِي "، أي : ولا يخزي الذين آمنوا، فعلى هذا يكون " نُورُهُمْ يَسْعَى " مُستأنفاً، أو حالاً : والثاني : أن يكون مبتدأ، وخبره " نُورُهُمْ يَسْعَى "، و " يَقُولُون " خبر ثاني أو حال.
وتقدم إعراب مثل هذه الجمل في " الحديد " وإعراب ما بعدها في " براءة ".
وقرأ أبو حيوة، وأبو نهل الفهمي :" وبإيْمَانِهِمْ " بكسر الهمزة.
ومعنى قوله :﴿نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ﴾ أي : في الدنيا وبأيمانهم عند الحساب، لأنهم يؤتون الكتاب بأيمانهم، وفيه نور، وخير.
وقيل : يسعى النور بين أيديهم في موضع وضع أقدامهم " وبأيْمانِهِمْ " لأن خلفهم وشمالهم طرق الكفرة، وقولهم :﴿رَبَّنَآ أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا﴾ قال ابن عباس : يقولون ذلك عند إطفاء نور المُنافقين إشفاقاً.
وقال الحسنُ : إنه - تعالى - يتمّم لهم نورهم، ولكنهم يدعون تقرباً إى حضرة الله تعالى، كقوله :﴿وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ﴾ [غافر : ٥٥] وهو مغفور.
وقيل : أدناهم منزلة من نوره بقدر ما يبصر موضع قدمه، فيسألون إتمامه.
وقال الزمخشري : السَّابقون إلى الجنَّة يمرون كالبرقِ على الصِّراط، وبعضهم كالريح، وبعضهم كالجواد المسرع، وبعضهم حَبْواً، وهم الذين يقولون : ربنا أتمِمْ لنا نورناً.
٢١٣
فإن قيل : إنه - تعالى - لا يخزي النبي في ذلك اليوم، ولا الذين آمنوا معه ؟.
فالجوابُ : لأن فيه إفادة الاجتماع، بمعنى لا يخزي الله المجموع، أي : الذين يسعى نورهم، وفيه فائدة عظيمة، إذا الاجتماع بين الذين آمنوا، وبين نبيهم تشريفٌ في حقهم وتعظيم.
جزء : ١٩ رقم الصفحة : ٢٠٩
أمره أن يجاهدَ الكُفَّار بالسيف، والمواعظ الحسنة، والدعاء إلى الله، والمنافقين بالغظة، وإقامة الحُجَّة أن يرعفهم أحوالهم في الآخرة، وأنه لا نُور لهم يجوزون به على الصِّراط مع المؤمنين.
وقال الحسنُ : أي : جاهدهم بإقامة الحدود عليهم، فإنهم كانوا يرتكبون موجبات الحدود وكانت الحدودُ تقامُ عليهم ﴿وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ﴾ يرجع إلى الصنفين ﴿وَبِئْسَ الْمَصِير﴾ أي : المرجع.
قال ابن الخطيب : وفي مخاطبة النبي ﷺ بقوله :﴿ يا أيها النَّبِيُّ﴾ في ألو السورة وفي هذه الآية ووصفه بالنبي لا باسمه، كقوله لآدم :﴿يا آدَمُ﴾ [البقرة : ٣٥]، وموسى ﴿يا مُوسَى ﴾ [طه : ١١]، ولعيسى ﴿يا عِيسَى ﴾ [المائدة : ١١٦] دليل على فضيلته عليهم.
فإن قيل : قوله :﴿وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ﴾ يدل على أن مصيرهم بئس المصيرُ، فما فائدة ذلك ؟ فالجوابُ : أن مصيرهم بئس المصير مطلقاً، والمطلق يدل على الدوام، وغير المطلق لا يدل على الدوام.
جزء : ١٩ رقم الصفحة : ٢١٣
ثم ضرب اللَّهُ مثلاً للصَّالحات، من النِّساء، فقال :
٢١٤
﴿ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً﴾ إلى آخره، تقدم الكلام على " ضرب " مع " المَثَل "، وهل هو بمعنى " صير " أم لا ؟ وكيف ينتصب ما بعدها في سورة " النحل ".
فصل في ضرب الله لهذا المثل ضرب الله هذا المثل تنبيهاً على أنه لا يغني أحد عن قريب، ولا نسب في الآخرة إذا فرق بينهما الدِّين، وكان اسم امرأة نوح " والهة "، وامرأة لوط " والغة "، قاله مقاتل.
وقال الضحاكُ عن عائشة - رضي الله عنها - : إن جبريل نزل على النبي ﷺ فأخبره أن اسم امرأة نوح " وَاغِلة " وامرأة لوط " والهة "، ﴿كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ﴾ يعني نوحاً ولوطاً.
ويجوز أن يكون " امرْرأة نُوحٍ " بدلاً من قول " مثلاً " على تقدير حذف المضاف، أي : ضرب الله مثلاً مثل امرأة نوح.
ويجوزأن يكونا مفعولين.
قوله :﴿كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ﴾.
جملة مستأنفة كأنها مفسرة لـ " ضَرْبِ المثلِ "، ولم يأت بضميرهما، فيقال : تحتهما أي : تحت نوح ولوط، لما قصد من تشريفهما بهذه الإضافة الشريفة، لويصفهما بأجَلّ الصِّفات، وهو الصَّلاح.
قوله :﴿فَخَانَتَاهُمَا﴾.
قال عكرمة، والضحاك : بالكفر، وقال سليمان بن رقية، عن ابن عباس : كانت امرأة تقول للناس : إنه مجنون وامرأة لوط كانت تخبر بأضيافه.
وعن ابن عباس : ما بَغَت امرأة نبي قط، وإنما كانت خيانتهما انهما كانا على غير دينهما.
٢١٥


الصفحة التالية
Icon