قال القشيريُّ : وهذا إجماع من المفسرين إنما كانت خيانتهما في الدين، وكانتا مشركتين وقيل : كانتا منافقتين.
وقيل : خيانتهما النَّميمةُ إذا أوحى الله إليهما شيئاً أفشتاه إلى المشركين، قاله الضحاك.
وقيل : كانت امرأة لوط إذا نزل به ضيف دخنت لتعلم قومها أنه قد نزل به ضيف لما كانوا عليه من إتيان الرجال.
قوله :﴿فَلَمْ يُغْنِيَا﴾.
العامة : بالياء من تحت، أي : لم يغن نوح ولوط عن امرأتيهما شيئاً من الإغناء من عذاب الله.
وقرأ مبشر بن عبيد : تغنيا - بالتاء - من فوق -، أي : فلم تُغْن المرأتان عن أنفسهما.
وفيها إشكال إذ يلزم من ذلك تعيد فعل المضمير المتصل إلى ضميره المتصل في غير المواضع المستثناة.
وجوابه : أن " عَنْ " هنا اسم كهي في قوله :[الكامل] ٤٧٩٠ - دَعْ عَنْكَ نَهْباً صِيحَ في حَجَراتِهِ
.......................
جزء : ١٩ رقم الصفحة : ٢١٤
وقد تقدم هذا والاعتراض عليه بقوله :﴿وَهُزِّى إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ﴾ [مريم : ٢٥] ﴿وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ﴾ [القصص : ٣٢]، والجواب هناك.
فصل في معنى الآية معنى الآية : لم يدفع نوح، ولوط مع كرامتهما على الله تعالى عن زوجتيهما لما عصيا شيئاً من عذاب اللَّه تنبيهاً بذلك على أنَّ العذاب يدفع بالطَّاعة، لا بالوسيلة.
وقيل : إن كفار مكة استهزءوا وقالوا : إنَّ محمداً يشفع لنا، فبين تعالى أن الشفاعة لا تنفع كفار " مكة "، وإن كانوا أقربا كما لا ينفع شفاعة نوح امرأته، وشفاعة لوط لامرأته مع قربهما له لكفرهما.
﴿وَقِيلَ ادْخُلاَ النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ﴾ في الآخرة كما يقال لكفار مكة وغيرهم.
قطع الله
٢١٦
بهذه الآية طمع من يرتكب المعصية أن ينفعه صلاح غيره، ثم أخبر عن معصية غيره لا تضره إذا كان مطيقاً.
قوله :﴿ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ﴾.
واسمها آسية بنت مزاحم.
قال يحيى بن سلام : قوله :﴿ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ﴾ مثل ضربه الله يحذر به عائشة، وحفصة في المخالفة حين تظاهرتا عليه الصلاة والسلام ثم ضرب الله لهما مثلاً بامرأة فرعون ومريم ابنة عمران ترغيباً في التمسك بالطاعة، والثبات على الدين.
وقيل : هذا حث للمؤمنين على الصبر في الشدة، أي : لا تكونوا في الصبر عند الشدة أضعف من امرأة فرعون حين صبرت على أذى فرعون.
قال المفسرون : لما غلب موسى السحرة آمنت امرأةُ فرعون.
وقيل : هي عمة موسى آمنت به، فلمنا تبين لفرعون إسلامها أوتد يديها ورجليها بأربعة أوتاد، وألقاها في الشمس، وألقى عليها صخرة عظيمة، فقالت :" ربِّ نَجِّنِ مِنْ فرعَونَ وعمله ".
فرمى بروحها في الجنة، فوقعت الصخرة على جسد لا روح فيه.
وقال الحسنُ : رفعها تأكل في الجنة، وتشرب.
قال سلمان الفراسي : كانت امرأة فرعون تعذب في الشمس، فإذا انصرفوا عنها أظلتها الملائكة.
قوله :﴿إذْ قَالَتْ رَبِّ﴾.
منصوب بـ " ضرب "، وإن تأخر ظهور الضرب.
ويجوز أن ينتصب بالمثل.
قوله :﴿عِندَكَ﴾.
يجوز تعلقه بـ " ابْنِ "، وأن يتعلق بمحذوف على أنه حال من " بَيْتاً " كان نعته فلما قدم نصب حالاً.
و ﴿فِي الْجَنَّةِ﴾.
إما متعلق بـ " ابْنِ " وإما بمحذوف على أنه نعت لـ " بَيْتاً ".
٢١٧
فصل في قصة امرأة فرعون.
قال المفسرون : لما كانت تعذب في الشمس، وأذاها حرّ الشمس ﴿إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ﴾ فوافق ذلك حضور فرعون، فضحكت حين رأت بيتها في الجنة، فقال فرعون : لا تَعْجبُوامن جُنُونهَا أنَا أعذِّبُها وهي تضحك، فقبض رُوحها.
وروي أنه وصع على ظهرها رحى فأطلعها اللَّهُ، حتى رأت مكانها في الجنَّة، وانتزع روحها، فألقيت عليها صخرة بعد خروج روحها فلم تجد ألماً.
وقال الحسن وابن كيسان : رفع الله امرأة فرعون إلى الجنة، فهي فيها تأكل، وتشرب، وتنعم.
قوله :﴿وَنَجِّنِي مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ﴾.
تعني بالعمل : الكفر.
وقيل :" من عمله "، أي : من عذابه وظلمه.
وقال ابن عباس : الجماع.
﴿وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾، أي : الكافرين.
قال الكلبيُّ : أهل " مصر ".
وقال مقاتل : القبط.
قوله :﴿وَمَرْيَمَ ابْنَةَ عِمْرَانَ﴾.
عطف على ﴿امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ﴾.
ضرب الله المثل للكافرين بامرأتين، وللمؤمنين بامرأتين.
وقال أبو البقاء :" ومَرْيَمَ " أي :" واذكر مريم ".
وقيل : أو " ومثل مريم ".
وقرأ العامة :" ابْنَة " بنصب التاء.
وأيوب السختياني : بسكون الهاء، وصلاً، أجرى الوصل مجرى الوقف.
والعامة أيضاً :" فَنَفَخْنَا فيْهِ " أي : في الفرجِ.
٢١٨