دقال مجاهد : تفور كما يفور الحب القليل في الماء الكثير.
وقال ابن عباس : تغلي بهم على المراجل، وهذا من شدّة لهب النار من شدّة الغضب كما تقول : فلان يفور غيظاً.
قوله :﴿تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الغَيْظِ﴾.
قرأ العامة :" تَميَّزُ " بتاء واحدة مخففة، والأصل " تتميَّز " بتاءين، وهي قراءة طلحة.
والبزي عن ابن كثير : بتشديدها، أدغم إحدى التاءين في الأخرى.
وهي قراءة حسنة لعدم التقاء الساكنين بخلاف قراءته ﴿إِذْ تَلَقَّوْنَهُ﴾ [النور : ١٥]، و ﴿نَاراً تَلَظَّى ﴾ [الليل : ١٤] وبابه.
وأبو عمرو : يدغم الدَّال في التاء على أصله في المتقاربين.
وقرأ الضحاك :" تَمَايَزُ " والأصل :" تتمايزُ " بتاءين، فحذف إحداهما :.
وزيد بن علي :" تَمِيزُ " من " مَازَ ".
٢٣٨
وهذا كله استعارة من قولهم : تميز فلان من الغيظ، أيك انفصل بعضه من بعض من الغيظن فمن سببية، أي : بسبب الغيظ، ومثله في وصف كَلْب، أنشده عروة :[الرجز] ٤٧٩٨ -.........................
يَكَادُ أنْ يَخْرُجَ مِنْ إهَابِهِ
قال ابن الخطيب : ولعل سبب هذا المجاز أن دم القلب يغلي عند الغضب، فيعظم مَداره، فيزداد املاء العروق، حتَّى تكاد تتمزَّق.
فإن قيل : النَّار ليست من الأحياء، فكيف توصف بالغيظ ؟.
قال ابن الخطيب : والجواب : أن البنية عندنا ليست شرطاً للحياة، فلعل الله - تعالى - يخلق فيها وهي نار حياة، أو يكون هذا استعارة يشبه صوت لهبها وسرعة مبادرتها بالغضبان وحركته، أو يكون المراد الزبانية.
فصل في تفسير الآية قال سعيد بن جبير " تكادُ تميَّزُ مِنَ الغيْظِ " يعني تنقطع، وينفصل بعضها من بعض.
وابن عباس والضحاك وابن زيد : تتفرق من الغيظ من شدة الغيظ على أعداء الله تعالى.
قوله :﴿كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ﴾.
تقدم الكلام على " كُلَّمَا ".
وهذه الجملة يجوز أن تكون حالاً من ضمير جهنم.
والفَوْج : الجماعة من الناس، والأفْوَاج : الجماعات في تفرقة، ومنه قوله تعالى :﴿فَتَأْتُونَ أَفْوَاجاً﴾ والمراد هنا بالفوج جماعة من الكفار ﴿سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَآ﴾ وهم مالك، وأعوانه سؤال توبيخ وتقريع ﴿أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ﴾، أي : رسول في الدنيا ينذركم هذا اليوم، حتى تحذروا.
قال الزَّجَّاج : وهذا التوبيخُ زيادة لهم في العذاب.
قوله :﴿بَلَى قَدْ جَآءَنَا نَذِيرٌ﴾.
فيه دليل على جواز الجميع بين حرف الجواب، ونفس الجملة المجاب بها إذ لو قالوا : بلى، لفهم المعنى، ولكنهم أظهروه تحسراً وزيادة في تغنميمهم على تفريطهم في قبُول قول النذير ؛ فعطفوا عليه :" فكَذَّبْنَا " إلى آخره.
٢٣٩
قوله :﴿إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ فِي ضَلاَلٍ كَبِيرٍ﴾ ظاهره أنه من مقول الكفار للنذير، أي : قلنا :﴿مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِن شَيْءٍ﴾ أي : على ألسنتكم إن أنتم يا معشر الرسل ﴿إِلاَّ فِي ضَلاَلٍ كَبِيرٍ﴾ اعترفوا بتكذيب الرسلِ، ثم اعترضوا بجهلهم، فقالوا وهم في النار :﴿لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ﴾ من النذر يعني : الرسل ما جاءوا به " أوْ نَعْقِلُ " عنهم.
وجوز الزمخشريُّ أن يكون من كلام الرُّسل للكفرةِ، وحكاه الكفرة للخزنةِ، أي : قالاو لا هذا فلم نقبلهُ.
قال ابن الخطيب : يجوز أن يكون من كلام الخزنة للكفار، أي : لما قالوا ذلك الكلام قالت الخزنة لهم :﴿إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ فِي ضَلاَلٍ كَبِيرٍ﴾.
قوله :﴿وَقَالُواْ لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِى أَصْحَابِ السَّعِيرِ﴾.
قال ابن الخطيب : احتجّ بهذه الآية من قال : إنَّ الدين لا يتم إلا بالتعليم ؛ لأنه قد م السمع على العقل، فدل على أنه لا بد أولاً من إرشاد المرشد غلب عليه تأمل السامع فيما ندب العلم.
وأجيب : بأنه إنما قدم السمع ؛ لأن الرسول إذا دعا، فأول المراتب أنه يسمع كلامه، ثم يتفكر فيه فلما كان السمع مقدماً على التعقل لا جرم قدم عليه في الذكر.
فصل فيمن فضل السمع على البصر واحتج بهذه الآيةِ من قدم السمع على البصر، قالوا : لأنه جعل للسمع مدخلاً في الخلاص من النار، والفوز بالجنة، والبصر ليس كذلك، فوجب أن يكون السمع أفضل من البصر.
قوله " بِذنْبِهِمْ " وحَّده ؛ لأنه مصدر في الأصل، ولم يقصد التنويع بخلاف " بِذُنُوبِهِم " في موضع ؛ ولأنه في معنى الجمع ؛ ولأن اسم الجنس إذا أضيف عم.
فصل في المراد بالضلال الكبير قال ابن الخطيب : يحتمل أن يكون المراد من الضَّلال الكبير ما كانوا عليه في الدنيا من ضلالهم، ويحتمل أن يكون المراد بالضَّلال الهلاك، ويحتمل أن يكون قد سمى عقاب الضلال باسمه.
فصل في الرد على المرجئة احتجت المرجئةُ بهذه الآية على أنه لا يدخل النارَ إلا الكفار قالوا : لأنه تعالى
٢٤٠