وقال ابنُ عبَّاسٍ وقتادة وبشير بن كعب :" فِي منَاكبِهَا " في جبالها.
وروي أن بشير بن كعب كانت له سرية فقال لها : إن أخبرتيني ما مناكب الأرض فأنت حرة.
فقالت : مناكبها : جبالها، فصارت حُرَّة، فأراد أن يتزوجها، فسأل أبا الدرداء، فقال :" دَعْ ما يَريبُكَ إلى ما لا يَريبُكَ ".
وقال مجاهد : في أطرافها، وعنه أيضاً : في طرفها وفجاجها، وهو قول السديِّ والحسن.
وقال الكلبيُّ : في جوانبها.
ومنكبا الرجل : جانباه، وأصل الكلمة : الجانب، ومنه منكب الرجل والريح النكباء، وتنكب فلان عن فلان.
يقول : امشُوا حيث أرداتم، فقد جعلتها لكم ذلولاً لا تمتنع.
وحكى قتادةُ عن أبي الجلد : أن الأرض من أربعة وعشرون ألف فرسخ، فللسودان اثنا عشر ألفاً، وللروم ثمانية آلافٍ، وللفرس ثلاثة الآلفٍ، وللعرب ألفٌ.
قوله :﴿وَكُلُواْ مِن رِّزْقِهِ﴾.
قال الحسن : ما أحله لكم.
وقيل : مما أنبته لكم.
وقيل : مما خلقه الله لكم رزقاً من الأرض " وإليْهِ النُّشورُ " المرجع.
وقيل : معناه أن الذي خلق السماوات ولا تفاوت فيها، والأرض ذلولاً قادر على أن ينشركم، وإليه تبعثون من قبوركم.
قوله :﴿أَأَمِنتُمْ مَّن فِي السَّمَآءِ﴾.
تقدم اختلاف القراء في الهمزتين المفتوحتين نحو ﴿أَأَنذَرْتَهُمْ﴾ [البقرة : ٦] تخفيفاً وتحقيقاً وإدخال ألف بينهما وعدمه في سورة " البقرة ".
وأن قنبلاً يقرأ هنا : بإبدال الهمزة الأولى واواً في الوصل ﴿وإليْهِ النشورُ وأمنتُمْ﴾،
٢٤٧
وهو على أصله من تسهيل الثانية بين بين، وعدم ألف بينهما، وأما إذا ابتدأ، فيحقق الأولى، ويسهل الثانية بين بين على ما تقدم، ولم تبدل الأولى واواً، لزوال موجبه وهو انضمام ما قبلها، وهي مفتوحة نحو " مُوجِل، ويُؤاخِذكُم "، وقد مضى في سورة " الأعراف " عند قوله تعالى :﴿قَالَ فِرْعَوْنُ آمَنتُمْ﴾ [الأعراف : ١٢٣]، وإنما عددناه تذكيراً، وبياناً.
قوله :﴿مَّن فِي السَّمَآءِ﴾.
مفعول " أأمِنْتُمْ " وفي الكلام حذف مضاف، أي : أمنتم خالق السماوات.
وقيل :" فِي " بمعنى " على "، أي : على السماء، كقوله :﴿وَلأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ﴾ [طه : ٧١]، أي : على جذوع النخل.
وإنما احتاج القائل بهذين إلى ذلك ؛ لأنه اعتقد أن " مَنْ " واقعة على الباري، وهو الظاهر وثبت بالدليل القطعي أنه ليس بمتحيّز لئلا يلزم التجسين، ولا حاجة إلى ذلك ؛ فإن " مَنْ " هنا المراد بها : الملائكة سكان السماءِ، وهم الذين يتولّون الرحمة والنقمة.
وقيل : خوطبوا بذلك على اعتقادهم ؛ فإن القوم كانوا مجسمة مشبَّهة، والذي تقدم أحسن.
قال ابن الخطيب : هذه الآية لا يمكن إجراؤها على ظاهرها باتفاق المسلمين ؛ لأن ذلك يقتضي إحاطة السَّماءِ به من جميع الجوانب، فيكونُ أصغر منها، والعرش أكبر من السماء بكثير، فيكون حقيراً بالنسبة إلى العرش، وهو باطل بالاتفاق، ولأنه قال :﴿قُل لِّمَن مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ﴾ [الأنعام : ١٢] فلو كان فيهما لكان مالكاً لنفسه، فالمعنى : إما من في السموات عذابه، وإما أن ذلك ما كانت العرب تعتقد، وإما من في السماء سلطانه وملكه وقدرته، كما قال تعالى :﴿وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الأَرْضِ﴾ [الأنعام : ٣] فإنَّ الشيء الواحد لا يكون دفعة واحدة في مكانين، والغرض من ذكر السَّماءِ تفخيم سلطان الله، وتعظيم قدرته، والمراد الملك الموكل بالعذاب، وهو جبريلُ يخسفها بإذن الله.
قوله :﴿أَن يَخْسِفَ بِكُمُ الأَرْضَ﴾ و ﴿أَن يُرْسِلَ﴾ فيه وجهان : أحدهما : أنهما بدلان من ﴿مَنْ فِي السَّمَاوَات﴾ بدل اشتمال، أي : أمنتم خسفه، وإرساله.
قاله أبو البقاء.
والثاني : أن يكون على حذف " مِنْ "، أي : أمنتم من الخسف والإرسال، والأول أظهر.
٢٤٨
فصل قال القرطبيُّ : ويحتمل أن يكون المعنى : أنمنتم خالق من في السماء أن يخفس بكم الأرض كما خسفها بقارون ﴿فَإِذَا هِيَ تَمُورُ﴾ أي : تذهب وتجيء، والمور : الاضطراب بالذهاب والمجيء.
قال الشاعر :[الطويل] ٤٨٠١ - رَمَيْنَ فأقْصَدْنَ القُلُوبَ ولَنْ تَرَى
دَماً مَائِراً إلاَّ جرى في الحيَازِمِ
جزء : ١٩ رقم الصفحة : ٢٤٢