وسعيد بن جبير وعيسى بخلاف عنه : بفتحها.
فالأولى على التقاء الساكنين، ولا يجوز أن يكون مجروراً على القسم حذف حرف الجر وبقي عمله، كقولهم " اللَّهِ لأفعلَنَّ "، لوجهين : أحدهما : أنه مختص بالجلالة المعظمة نادر فيما عداها.
والثاني : أنه كان ينبغي أن ينون، ولا يحسن أن يقال : هو ممنوع الصرف اعتباراً بتأنيث السورةن لأنه كان ينبغي ألاَّ يظهر فيه الجر بالكسر ألبتة.
وأما الفتح، فيحتمل ثلاثة أوجه : أحدها : أن يكون بناء، وأوثر على الأصل للخفة كـ " أين وكيف ".
الثاني : أن يكون مجروراً بحرف القسم المقدر على لغة ضعيفة، وقد تقدم ذلك في قراءة " فالحقّ والحقِّ " [ص : ٨٤]، بجرّ " الحقّ "، ومنعت الصرف اعتباراً بالسورة.
والثالث : أن يكون منصوباً بفعل محذوف، أي : ، اقرأوا نوناً ثم ابتدأ قسماً بقوله :" والقَلمِ " أو يكون منصوباً بعد حذف حرف القسم ؛ كقوله :[الوافر] -.........................
فَذَاكَ أمَانَةَ اللَّهِ الثَّريدُ
جزء : ١٩ رقم الصفحة : ٢٦١
ومنع الصرف لما تقدم، وهذا أحسن لعطف العلم على محله.
قوله :﴿وَمَا يَسْطُرُونَ﴾.
" ما " موصولة، اسمية أو حرفية، أي : والذي يسطرونه من الكتب، وهم الكتَّاب والحفظة من الملائكة وسطرهم.
والضمير عائد على من يسطر لدلالة السياق عليه ولذكر الآلة المكتتب بها.
وقال الزمخشري يجوز أن يراد بالقلم أصحابه فيكون لاضمير في " يَسْطُرونَ " لهم.
يعني فيصير كقوله :﴿أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُّجِّيٍّ يَغْشَاهُ﴾ [النور : ٤٠] تقديره : أو كذي ظلمات فالضمير في " يغْشَاه " يعود على " ذي " المحذوف.
فصل في المراد بالقلم في " القلم " المقسم به قولان : أحدهما : أن المراد بهالجنس، وهو واقع على كل قلم يكتب به في السماء والأرض، قال تعالى :﴿اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ الَّذِى عَلَّمَ بِالْقَلَمِ عَلَّمَ الإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ﴾ [العلق : ٣، ٤، ٥]،
٢٦٤
ولأنه ينتفع به كما ينتفع بالنطق كما قال تعالى :﴿خَلَقَ الإِنسَانَ عَلَّمَهُ البَيَانَ﴾ [الرحمن : ٣، ٤]، فالقلم يبين كما يبين اللسان في المخاطبة بالكتاب للغائب والحاضر.
والثاني : أنه القلم الذي جاء في الخبر، عن ابن عباسٍ : أول ما خلق الله القلم ثم قال له : اكتب قال : ما أكتب ؟ قال : ما كان وما هو كائن إلى يوم القيامة من عملٍ، أو أجلٍ، أو رزقٍ، أو أثرٍ، فجرى القلمُ بما هو كائن إلى يوم القيامة، قال : ثم ختم في القلم فلم ينطق ولا ينطق إلى يوم القيامة، قال : وهو قلم من نور طوله كما بين السماء والأرض.
وروى مجاهد، قال : اول ما خلق الله القلم، فقال : اكتب القدر، فكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة، وإنما يجري الناس على أمر قد فرغ منه.
قال القاضي : هذا الخبر يجب حمله على المجاز ؛ لأن القلم آلة مخصوصة للكتابة، ولا يجوزأن يكون حياً عاقلاً فيؤمر وينهى ؛ فإن الجمع بين كونه حيواناً مكلفاً وبين كونه آلة للكتابة محال بل المراد منه أنه تعالى أجراه بكل ما يكون وهو كقوله تعالى ﴿إِذَا قَضَى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾ [آل عمران : ٤٧] فإنه ليس هناك أمر، ولا تكليف، وهو مجرد نفاذ القدرةِ في المقدور من غير منازعة، ولا مدافعة.
وقيل : القلم المذكور هو العقل وأنه شيء هو كالأصل لجميع المخلوقات، قالوا : والدليل عليه أنه قد روي في الأخبار : أن أول ما خلق الله القلم.
وفي خبر آخر : أول ما خلق الله العقل، فقال الجبار : ما خلقت خلقاً أعجب غلي منك، وعزتي وجلالي لأكلمنك فيمن أحببت ولأبغضنك فيمن أبغضت، قال : ثم قال رسول الله ﷺ : أكمل النَّاسِ عقلاً أطوْعهُمْ للَّهِ وأعْلمُهُمْ بطاعته.
وفي خبر آخر : أول ما خلق الله جوهرة، فنظر إليها بعين الهيبة فذابت، وسخنت، فارتفع منها دخان وزيد، فخلق من الدخان السموات، ومن الزبد الأرض.
قالوا : فهذه الأخبار مجموعها تدل على أن القلم والعقل وتلك الجوهرة التي هي أصل المخلوقات شيء واحد، وإلا حصل التناقض.
قوله :﴿وَمَا يَسْطُرُونَ﴾، أي : وما يكتبون، يريدك الملائكة يكتبون أعمال بني آدم.
قال ابن عباس.
وقيل : وما يكتبون الناس ويتفاهمون به.
وقال ابن عباس : معنى ﴿وَمَا يَسْطُرُونَ﴾ وما يعملون.
٢٦٥


الصفحة التالية
Icon