وقال عكرمة : إذا كثر ولد الزنا قحط المطر.
قال القرطبي : ومعظم المفسرين على أن هذه الآية نزلت في الوليد بن المغيرة وكان يطعم أهل منى حيساً ثلاثة أيام، وينادي ألا لا يوقدن أحدكم تحت بُرمةٍ، ألا لا يدخلن أحد بكُراع، ألا ومن أراد الحيس فليأت الوليد بن المغيرة، وكان ينفق في الحجة الواحدة عشرين ألفاً، أو أكثر، ولا يعطي المسكين درهماً واحداً ؛ فقيل :" منَّاعٍ للخَيرِ "، وفيه نزل :﴿وَوَيْلٌ لِّلْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ لاَ يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ﴾ [فصلت : ٦، ٧].
وقال محمد بن إسحاق : نزلت في الأخنس بن شريق ؛ لأنه حليف ملحق في بني زهرة، فلذلك سمي زنيماً.
وروى عكرمة عن ابن عباس أنه قال : في هذه الآية نُعت، فلم يعرف، حتى قتل زنيم فعرف، وكانت له زنمة في عنقه يعرف بها.
قال ابن قتيمبة : لا نعلم أن الله وصف أحداً، ولا ذكر من عيوبة ما ذكر من عيوب الوليد بن المغيرة وألحق به عاراً لا يفارقه في الدنيا والآخرة.

فصل قرأ الحسن :" عُتُلٌّ " بالرفع، أي هو عتل.


وحقه أن يقرأ ما بعده بالرفع أيضاً، لأنهم قالوا في القطع : إنه يبدأ بالإتباع، ثم بالقطع من غير عكس، وقوله :" بَعْدَ ذلِكَ " أي : بعدما وصفناه به.
قال ابن عطية : فهذا الترتيب إنما هو قبل كونه صاحب خير يمنعه.
وقال الزمخشريُّ :" بَعْدَ ذَلِكَ " أي : بعدما عد له من المثالب، والنقائصِ، ثم قال : جعل جفاءه ودعوته أشد معايبه، لأنه إذا غلظ وجفا طبعه قسا قلبُه واجترأ على كل معصية.
ونظير قوله :﴿عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ﴾ ﴿ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ﴾ [البلد : ١٧].
قوله :﴿أَن كَانَ ذَا مَالٍ وَبَنِينَ﴾.
العامة : على فتح همزة " أن " ثم اختلفوا بعد، فقرأ ابن عامر وحمزة وأبو بكر
٢٨٠
وأضاف القرطبي معهم أبا جعفر وأبا حيوة والمغيرة والأعرج : بالاستفهام.
وباقي السبعة بالخبر.
والقارئون بالاستفهام على أصولهم من تحقيق، وتسهيل، وإدخال ألف بين الهمزتين وعدمه، ولا بد من بيان ذلك فنقول : قرأ حمزة وأبو بكر وذكر القرطبي معهم المفضل : بتحقيق الهمزتين، وعدم غدخال ألف بينهما، وهذا هو أصلهما.
وقرأ ابن ذكوان : بتسهيل الثانية، وعدم إدخال ألف.
وهشام بالتسهيل المذكور إلا أنه أدخل ألفاً بينهما.
فقد خالف كل منهما أصله، أما ابن ذكوان فإنه يحقق الهمزتين فقد سهل الثانية هنا، وأما هشام فإن أصله أن يجري في الثانية من هذا النحو وجهين من التحقيق كرفيقه، والتسهيل وقد التزم التسهيل هنا، وأما إدخال الألف فإنه فيه على أصله، كما تقدم أول البقرة.
وقرأ نافع في رواية اليزيدي عنه :" إن " بكسر الهمزة على الشرط.
فأما قراءة " أنْ " - بالفتح - على الخبر، ففيه أربعة أوجه : أحدها : أنها " أن " المصدرية في موضع المفعول به مجرورة بلام مقدرة، واللام متعلقة بفعل النهي، أي : ولا تطع من هذه صفاته، لأن كان متمولاً وصاحب بنين.
الثاني : أنها متعلقة بـ " عُتُل " وإن كان قد وصف.
قاله الفارسي.
وهذا لا يجوز عند البصريين، وكأن الفارسي اغتفره في الجار.
الثالث : أن يتعلق بـ " زَنِيمٍ "، ولا سيما عند من يفسره بقبيح الأفعال.
الرابع : أن يتعلق بمحذوف يدل عليه ما بعده من الجملة الشرطية تقديره لكونه متمولاً، مستظهراً بالبنين كذب بآياتنا، قاله الزمخشريُّ.
قال : ولا يعمل فيه، قال : الذي هو جواب " إذا " لأن ما بعد الشرط لا يعمل فيما قبله، ولكن ما دلت عليه الجملةُ من معنى التكذيب.
وقال مكيٌّ، وتبعه أبو البقاء :" لا يجوز أن يكون العامل " " تُتْلَى " لأن ما بعد
٢٨١
" إذَا " لا يعمل فيما قبلها، لأن " إذَا " تضاف إلى الجمل، ولا يعمل المضاف إليه فيما قبل المضاف " انتهى.
وهذا يوهم أن المانع من ذلك ما ذكره فقط، والمانع أمرٌ معنوي، حتى لو فقد هذا المانع الذي ذكره لامتنع من جهة المعنى، وهو لا يصلح أن يعلل تلاوة آياتِ اللَّهِ ليه بكونه ذا مالٍ وبنين.
وأما قراءة " آنْ كان " على الاستفهام، ففيها وجهان : أحدهما : أن يتعلق بمقدر يدل عليه ما قبله، أي : أتطيعه لأن كان، أو لكون طواعية لأن كان.
والثاني : أن يتعلق بمقدر يدل عليه ما بعده، أي : لأن كان كذب وجحد.
وأما قراءة " إنْ كَانَ " - بالكسر - فعلى الشرط، وجوابه مقدر، تقديرده : إن كان كذا يكفر ويجحد، دل عليه ما بعده.
وقال الزمخشريُّ : والشرط للمخاطب، أي : لا تطع كل حلاف شارطاً يساره، لأنه إن أطاع الكافر لغنائه فكأنه اشترط في الطاعة الغنى، ونحو صرف الشرط للمخاطب صرف الترجي إليه في قوله ﴿لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى ﴾ [طه : ٤٤].
وجعله أبو حيَّان من دخول شرط على شرط، يعني " إن، وذا " إلا أنه قال : ليسا من الشروط المترتبة الوقوع.
وجعل نظير ذلك قول ابن دُريْدٍ :[الرجز] ٤٨١٧ - فإن عَثَرتُ بعْدها إنْ وألَتْ
نَفْسِيَ مِنْ هَتَا فَقُولاَ لاَ لَعَا
جزء : ١٩ رقم الصفحة : ٢٧٢


الصفحة التالية
Icon