قوله ﴿إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَآ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ﴾.
يريد أهل مكة، والابتلاء : الاختبار.
والمعنى : أعطيناهم الأموال ليشكروا لا ليبطروا، فلما بطروا وعادوا محمداً ﷺ ابتليناهم بالجوع والقحط كما بولنا أصحاب الجنَّة المعروف خبرها عندهم، وذلك أنها كانت بأرض اليمين بالقرب منهم على فراسخ من " صنعاء " ويقال : بفرسخين، كانت لرجل يؤدي حقَّ الله منهما، فلما مات صارت إلى ولده، فمعنوا الناس خيرها، وبخلوا بحق الله فيها ؛ فأهلكها الله من حيث لم يمكنهم دفع ما حل بها.
قال الكلبيُّ : كان بينهم وبين " صنعاء " فرسخان ابتلاهم اللَّهُ بأن أحرق جنتهم.
وقيل : جنة بصوران على فراسخ من صنعاء، وكان أصحاب هذه الجنة بعد رفع عيسى - عليه الصلاة والسلام - بيسير.
وقيل : كانوا من بني إسرائيل.
وقيل : وكانوا من ثقيف، وكانوا بخلاء، وكانوا يجذون النخل ليلاً من أجل المساكين، فأرادوا حصاد زرعها، وقالوا :﴿لاَّ يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِّسْكِينٌ﴾ فغدوا عليها فإذا هي قد اقتلعت من أصلها ﴿فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ﴾ أي : الليل، ويقال أيضاً للنهار : صريم، فإن كان أراد الليل، فلاسوداد مواضعها وكأنهم وجدوا مواضعها حمأة، وإن كان أراد بالصريم النهار، فلذهاب الشجر والزَّرْع وخلو الأرض منه،
٢٨٥
وكان الطائف الذي طاف عليها جبريل - عليه السلام - فاقتلعها.
فقيل : إنه طاف بها حول البيت ثم وضعها حيثُ مدينة الطائف اليوم، ولذلك سميت الطائف، وليس في أرض الحجازِ بلدة فيها الماء، والشجر [والزرع] والأعناب غيرها.
وقال البكريُّ في المعجم : سميت الطائف، لأن رجلاً من العرب يقالُ له : الدَّمُون، بَنَى حائطاً، وقال : إني قد بنيت لكم حائطاً حول بلدكم، فسميت الطائف.
والله أعلم.
قوله " إذ أقْسَمُوا "، أي : حلفوا فيما بينهم " ليَصْرِمُنَّهَا " أي : ليجذُّنها " مُصْبحِيْنَ " أي : وقت الصباح قبل أن يخرج المساكين " ولا يَسْتَثْنُونَ "، أي : لم يقولوا : إن شاء الله.
قوله :" مُصْبحِيْنَ " حال من فاعل " ليَصْرمُنَّها " وهو من " أصبح " التامة، أي داخلين في الصباح، كقوله تعالى :﴿وَإِنَّكُمْ لَّتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُّصْبِحِينَ﴾ [الصافات : ١٣٧] وقوله : إذا سمعت بِسُرَى القين فاعلم بأنه مصبح والكاف في " كما " في موضع نصب نعتاً لمصدر محذوف، أي : بلوناهم ابتلاء كما بلونا، و " ما " مصدرية، أو بمعنى " الذي " و " إذَا " منصوبة بـ " بَلَوْنَا " و " ليَصْرمُنَّهَأ " جواب للقسم، وجاء على خلاف منطوقهم، ولو جاء لقيل :" لنَصْرمُنَّهَا " بنون المتكلم.
قوله :﴿وَلاَ يَسْتَثْنُونَ﴾.
هذه مستأنفة، ويضعف كونها حالاً من حيث إن المضارع المنفي بـ " لا " كالمثبت في عدم دخول الواو عليه وإضمار مبتدأ قبله، كقولهم :" قمت وأصك عينه " مستغنى عنه.
ومعنى :" لا يَسْتثْنُونَ " لا يستثنون للمساكين من جملة ذلك القدر الذي كان يدفع أبوهم للمساكين، ومن الثني، وهو الكف والرد ؛ لأنَّ الحاف إذا قال : واللَّهِ لأفعلن كذا إلا أن يشاء اللَّهُ غيره فقد رد انعقاد تلك اليمين.
وقيل : المعنى : لا يستثون عزمهم من الحرماتِ.
وقيل : لا يقولون، أن شاء الله.
قال الزمخشريُّ : وسمي استثناء وهو شرط ؛ لأن معنى : لأخرجن إن شاء الله، ولا أخرج إلا أن يشاء الله واحد.
قوله ﴿وَلاَ يَسْتَثْنُونَ﴾.
أي هلاك، أو بلاء طائف، والطائف غلب في الشر.
قال الفراء : هو الأمر الذي يأتي ليلاً.
ورد عليه بقوله ﴿إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ﴾ [الأعراف : ٢٠١] وذلك لا يختص بليلٍ، ولا نهارٍ.
٢٨٦
وقرأ النخعيُّ :" طَيْفٌ ".
قوله " مِن ربِّك ".
يجوز أن يتعلق بـ " طاف " وأن يتعلق بمحذوف صفة لـ " طَائِفٌ ".
قوله :﴿فَطَافَ عَلَيْهَا طَآئِفٌ﴾.
والصرام : جذاذ النخلِ، وأصل المادة الدلالة على القطع، ومنه الصُّرم، والصَّرْم - بالضم والفتح - وهو القطيعة ؛ قال امرؤ القيس :[الطويل] ٤٨٢١ - أفَاطِمُ مَهْلاً بَعْضَ هذا التَدلُّلِ
وإنْ كنتِ قَدْ أزمَعْتِ صَرْمِي فأجْملِي
جزء : ١٩ رقم الصفحة : ٢٨٥
ومنه الصريمة، وهي قطعة منصرمة عن الرمل لا تنب شيئاً ؛ قال :[البسيط] ٤٨٢٢ - وبالصَّريمَةِ مِنْهُمْ مَنْزِلٌ خَلَقٌ
عَافٍ تَغَيَّرَ، إلاَّ النُّؤيُ والوتِدُ


الصفحة التالية
Icon