والصارم : القاطع الماضي، وناقة مصرمة : انقطع لبنها، وانصرم الشهر والسنة، أي : قرب انفصالهما، وأصرم زيد : ساءت حاله، كأنه انقطع سعده.
فقوله " كالصَّريمِ ".
قيل : هي الأشجار المنْصرِم حملها.
وقال ابن عبسا : كالليل ؛ لأنه يقال له : الصريم، لسواده، والصريم أيضاً : النهار وقيل : الصُّبحُ ؛ لأنه انصرم من الليلة، قاله الأخفش.
فهو من الأضداد.
وقال شمر : الصريم الليل، والصريم النهار.
وقيل : الصريم : رملة معروفة باليمنِ لا تنبت شيئاً.
وقال الثوريُّ : كالزرع المحصود، فالصريم بمعنى المصروم، أي : المقطوع ما فيه.
وقال الحسنُ : صرم عنها الخير، أي : قطع، فالصريم مفعول أيضاً.
وقال المؤرج : كالرملة انصرمت من معظم الرمل، يقال : صريمة وصرائم، فالرملة لا تنبت شيئاً ينتفع به.
وقيل : سمي الليل صريماً ؛ لأنه يقطع بظلمته عن التصرف، ولهذا يكون " فَعِيْل "، بمعنى " فاعل ".
٢٨٧
قال القشيريُّ : وفي هذا نظر ؛ لأن النهار يسمى صريماً، ولا يقطع عن التصرف.
وقيل : سمي الليل صريماً ؛ لأنه يصر نور البصر ويقطعه.

فصل في بيان أن العزم مما يؤاخذ به الإنسان.


قال القرطبيُّ : في الآية دليل على أن العزم مما يؤاخذ به الإنسان.
لأنهم عزموا على أن يفعلوا، فعوقبوا على فعلهم ؛ ونظيره قوله تعالى :﴿وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُّذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ [الحج : ٢٥].
وفي الصحيح عن النبي ﷺ :" إذَا التَقَى المُسلِمَانِ بِسْفِهِمَا فالقَاتِلُ والمَقْتُولُ في النَّارِ، قيل : يا رسول الله، هذا القاتل فما بال المقتول ؟ قال : إنَّه كَانَ حريصاَ على قَتْلِ صاحِبهِ " وقد مضى في آل عمران عند قوله :﴿وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ﴾ [آل عمران : ١٣٥].
قوله :﴿فَتَنَادَوْاْ مُصْبِحِينَ﴾.
قال مقاتل : لما أصبحوا قال بعضهم لبعض :﴿اغْدُواْ عَلَى حَرْثِكُمْ﴾ يعني بالحرث الثِّمار والزروع والأعناب، ولذلك قال :" صَارمِيْنَ "، لأأنهم أرادوا قطع الثمار من الأشجار.
" أن اغْدُوْا " يجوز أن تكون المصدرية، أي : تنادوا بهذا الكلام، وأن تكون المفسرة، لأنهتقدمها ما هو بمعنى القول.
قال الزمخشريُّ :" فإن قلت : هلاَّ قيل : اغدوا إلى حرثكم، وما معنى على ؟.
قلت : لما كان الغدو إليه ليصرموه، ويقطعوه كان غدواً عليه كما تقول : غدا عليهم العدو ويجوز أن يضمن الغدو معنى الإقبال كقولهم : يغدى عليهم بالجفنة ويراح " انتهى.
فجعل " غَدَا " متعدياً في الأصل بـ " إلى " فاحتاج إلى تأويل تعديه بـ " عَلَى "، وفيه نظر ؛ لورود تعدية بـ " عَلَى " في غير موضع ؛ كقوله :[الوافر] ٤٨٢٣ - وقَدْ أغْدُو على ثُبَةٍ كِرامٍ
نَشَاوَى واجِدينَ لَمَا نَشَاءُ
جزء : ١٩ رقم الصفحة : ٢٨٥
وإذا كانوا قد عردوا مرادفه بـ " عَلَى " فليعدوه بها، ومرادفه " بكر " تقول : بكرتُ عليه و " غدوتُ عليه " بمعنى واحد ؛ قال :[الطويل]
٢٨٨
٤٨٢٤ - بَكَرْتُ عَليْهِ غُدْوةً فَرأيْتُهُ
قَعُوداً إليْهِ بالصَّريمِ عَواذِلُه
قوله ﴿إِن كُنتُمْ صَارِمِينَ﴾.
جوابه محذوف، أي فاغدوا و " صارمين " : قاطعين حادين.
وقيل : ماضين العزم من قولك : سيف صارم.
قوله ﴿فَانطَلَقُواْ وَهُمْ يَتَخَافَتُونَ﴾.
أي : يتشاورون فيما بينهم، والمعنى يخفون كلامهم، ويسرونه لئلا يعلم بهم أحد، قاله عطاء وقتادة.
وهو من خفت يخفت إذا سكت، ولم يبين.
قال ابن الخطيب :" وخَفَى وخَفَت، كلاهما في معنى الكتم، ومنه الخمود والخفاء ".
وقيل : يخفون أنفسهم من الناس، حتى لا يروهم، وكان أبوهم يخبر الفقراء والمساكين فيحضروا وقت الحصاد والصرم.
وقوله :﴿وَهُمْ يَتَخَافَتُونَ﴾ جملة حالية من فاعل " انْطَلقُوا ".
قوله :﴿أَن لاَّ يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِّسْكِينٌ﴾.
" أنْ " مفسرة، ويجوز أن تكون مصدرية، أي : يتخافتون بهذا الكلام، أي : يقوله بعضهم لبعض :﴿أَن لاَّ يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِّسْكِينٌ﴾.
قال ابن الخطيب : والنهي للمسكين عن الدخول نهيٌ لهم عن تمكينه منه، أي : لا تمكنوه من الدخول.
وقرأ عبد الله وابن أبي عبلة :" لا يدْخُلنَّهَا " بإسقاط " إنْ " إما على إضمار القولِ كمذهب البصريين، وإما على إجراء " يَتَخافتُونَ " مجراه كقول الكوفيين.
قوله :﴿وَغَدَوْاْ عَلَى حَرْدٍ قَادِرِينَ﴾.
يجوز أن يكون " قَادِرْينَ " حالاً من فاعل " غَدَوْا " و " عَلى حَرْدٍ " متعلق به وأن يكون " على حَردٍ " هو الحال و " قَادِريْنَ " إما حال ثانية، وإما حال من ضمير الحالِ الأول.
والحرد : قيل : الغضب والحنق.
قاله السديُّ وسفيان.
٢٨٩
وأنشد للأشهب بن رميلة :[الطويل] ٤٨٢٥ - أسُودُ شَرىً لاقَتْ أسُودَ خفيَّةٍ
تَساقَوْا على حَرْدٍ دِماءَ الأسَاوِدِ
قيل : ومثله :[الرجز] ٤٨٢٦ - إذَا جِيادُ الخَيْلِ جَاءتْ تَرْدِي
مَملُوءةً مِنْ غضَبٍ وحَرْدِ
عطف لما تغاير اللفظان ؛ كقوله :[الوافر] ٤٨٢٧ -...........................


الصفحة التالية
Icon