وقيل : هي كلمةٌ وضعت لأجابة الدَّاعي عند الفرح، والنَّشاط.
وفي الحديث :" أنَّه نَاداهُ أعرَابِيٌّ بصَوْتٍ عَالٍ، فأجَابَهُ النبيُّ ﷺ " هاؤمُ " بطول صوته " وفقيل : معناها " اقصدوا ".
وزعم هؤلاء أنها مركبة من هاء التنبيه، وأموا، من الأم، وهو القصدُ، فصيره التخفيف والاستعمال إلى " هاؤم ".
وقيل :" الميمُ " ضميرُ جماعةِ الذكور.
وزعم القتيبي : أنَّ " الهمزة " بدلٌ من " الكاف ".
فإن عنى أنها تحلُّ محلَّها فصحيح، وإن عنى البدل الصناعي فليس بصحيح.
فقوله :" هاؤم " يطلب مفعولاً يتعدى إليه بنفسه إن كان بمعنى :" خُذْ " أو " أقْصِد إليّ " إن كان بمعنى :" تَعَالَوْا "، و " اقرأوا " يطلبه أرضاً، فقد تنازعاً في :" كِتَابِيَه " وأعمل الثاني للحذف من الأول.
وقد تقدم تحقيق هذا في سورة " الكهف ".
وفيها لغاتٌ : وذلك أنها تكون فعلاً صريحاً، وتكون اسم فعل، ومعناها في الحالين :" خذ " فإن كانت اسم فعلٍ، وهي المذكورة في الآية الكريمة، ففيها لغتان : المدّ والقصر تقول :" هَا درهماً يا زيدُ، وهاء درهماً "، ويكونان كذلك في الأحوال كلها من إفراد وتثنيةٍ وجمع وتذكير وتأنيثٍ، ويتصل بهما كافُ الخطاب، اتصالها بإسم الإشارة، فتطابق مخاطبك بحسب الواقع مطابقتها وهي ضميره، نحو :" هَاكَ، هَاكِ هاءَكَ " إلى آخره.
وتخلف كافُ الخطابِ همزة " هاءَ " مصرفة تصرف كاف الخطاب، فتقول :" هَاءَ يا زيدُ، هاءِ يا هندُ، هاؤم، هاؤن " وهي لغةُ القرآن.
وإذا كانت فعلاً صريحاً ؛ لاتصال الضمائر البارزة المرفوعة بها كان فيها ثلاثة لغاتٍ : إحدها : أن يكون مثل " عَاطَى يَعَاطِي "، فيقال :" هاء يا زيدُ، هائِي يا هندُ، هائيَا يا زيدان أو يا هنداتُ، هاءوا يا زيدون، هائين يا هنداتُ ".
الثانية : أن تكون مثل :" هَبْ " فيقال :" هَأ، هِىء، هَاءَا، هِئُوا، هِئْنَ "، مثل :" هَبْ، هِبِي، هِبَا، هِبُوا، هِبْنَ ".
الثالثة : أن تكون مثل :" خَفْ " أمراً من الخوف، فيقال :" هَأْ، هَائِي، هَاءَا، هَاءُوا، هَأنَ، مثل :" خَفْ، خَافِي، خَافَا، خَافُوا، خفْنَ ".
قوله :" كتابيه ".
منصوب بـ " هاؤم " عند الكوفيين، وعند البصريين بـ " اقرأوا " ؛ لأنه أقربُ العاملين، والأصل " كتابي " فأدخل " الهاء " لتبين فتحة " الياءِ " و " الهاء " في " كتابيه "
٣٣٢
و " حسابيه " و " سلطانيه " و " ماليه " للسكتِ، وكان حقُّها أن تحذف وصلاً وتثبت وقفاً، وإنما أجري الوصل مجرى الوقف، أو وصل بنية الوقف في " كتابيه " و " حسابيه " اتفاقاً، فأثبت " الهاء ".
وكذلك في " مَاليَه " و " سلطانيه " و ﴿مَا هِيَهْ﴾ [القارعة : ١٠] في القارعة، عند القُرَّاء كلهم إلا حمزة، فإنه حذف الهاء من هذه الكلم الثلاث وصلاً، وأثبتها وقفاً، لأنها في الوقف يحتاج إليها ؛ لتحصينِ حركةِ الموقوفِ عليه، وفي الوصل يستغنى عنها.
فإن قيل : فَلِمَ لم يفعل ذلك في " كتابيه " و " حسابيه " ؟ فالجواب : أنه جمع بين اللغتين، هذا في القراءات السبعِ.
وقرأ ابن محيصن : بحذفها في الكلم كلِّها وصلاً ووقفاً إلا في " القارعة "، فإنه لم يتحقق عنه فيها نقل.
وقرأ الأعمشُ، وابن أبي إسحاق : بحذفها فيهن وصلاً، وإثباتها وقفاً.
وابن محيصن : يسكنُ الهاء في الكلم المذكورة بغيرها.
والحق أنها قراءةٌ صحيحةٌ، أعني ثبوت هاء السكتِ وصلاً ؛ لثبوتها في خط المصحف الكريم، ولا يلتفت إلى قول الزهراوي إن إثباتها في الوصل لحن لا أعلم أحداً يجيزه.
وقد تقدم الكلام على هاء السكت في البقرة والأنعام.
قوله :﴿إنِّي ظَنَننتُ﴾.
قال ابن عباس : أي : أيقنتُ وعلمتُ.
وقيل : ظننتُ أن يؤاخذني الله بسيئاتي إن عذبني فقد تفضَّل علي بعفوه، ولم يؤاخذني بها.
قال الضحاك : كل ظن من المؤمن في القرآن فهو يقين، ومن الكافر فهو شك.
وقال مجاهد : ظَنُّ الآخرة يقين وظَنُّ الدنيا شَكٌّ.
وقال الحسن في هذه الآية : إنّ المؤمن من أحسن الظَّن بربّه فأحسن العمل، وإن المنافق أساء الظن بربه، فأساء العمل.
٣٣٣