وقال عبد الله بن أبي أوفى :" غَزَوْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ سَبْعَ غَزَوَاتِ، نأْكُلُ الجَرَاد " وظاهره أكل الجراد كيف ما مات [بعلاجٍ، أو حَتْفَ أنفِهِ]، والله أعلم.
فصل في بيان حكم وقوع الطائر ونحوه في القدر إذا وقع طائرٌ ونحوه في قدرٍ، فمات، فقال مالكٌ : لا يُؤكل كل ما في القدر.
وقال ابن القاسم : يغسل اللَّحم ويؤكل، ويراق المرق، وهو مرويٌّ عن ابن عبَّاس رضي الله تعالى عنهما.
فصل في بيان حكم الدَّم وأما الدَّم : فكانت العرب تجعل الدم في النَّار، وتشويها، ثم تأكلها، فحرَّم الله تعالى الدَّم، واتفق العلماء على أن الدم حرامٌ نجسٌ، لا يؤكل، ولا ينتفع به.
قال بعضهم : يحرمن إذا لم تعم به البلوى، ويعفى عنه، إذا عمَّت به البلوى، كالذي في اللَّحم والعروق، ولايسير في الثَّوب والبدن يصلَّى فيهن وأطلق الدَّم هنا، وقيَّده بالمسفوح في " الأنعام "، فيحمل المطلق على المقيَّد، وأمَّا لحم الخنزير، فاللَّحم معروف، وأراد الخنزير بجميع أجزائه، لكنه خصَّ اللحم ؛ لأنه المقصود لذاته بالأكل، واللَّحم جمعه لحوم ولحمان، يقال : لحم الرَّجل، بالضم، لحامةً، فهو لحيمٌ، أي : غلظ، ولحم، بالكسر يلحم، بالفتح، فهو لحمٌ : اشتاق إلى اللَّحم، ولحم النَّاسَ، فهو لاحمٌ، أي : أطعمهم اللحم، وألحم : كثر عنده اللَّحم [والخنزير : حيوانٌ معروفٌ، وفي نونِهِ قولان : أصحهما : أنَّها أصليَّة، ووزنه :" فِعْلِيلٌ " ؛ كغربيبٍ.
والثاني : أنها زائدةٌ، اشتقوه من خزر العين، أي : ضيقها ؛ لأنه كذلك يَنْظُر، وقيل : الخَزَرُ : النَّظَرُ بمؤخِّر العين ؛ يقالك هو أخزر، بيِّن الخزر].
فصل في بيان تحريم الخنزير أجمعت الأُمَّة على تحريم لحم الخنزير، قال مالك : إن حلف لا يأكل الشَّحم، فأكل لحماً لم يحنث بأكل اللحم، ولا يدخل اللحم في اسم الشَّحم ؛ لأنَّ اللحم مع الشَّحم يسمَّى لحماً، فقد دخل الشَّحم في اسم اللَّحم، واختلفوا في إباحة خنزير الماء ؛
١٧٢
قال القُرْطُبِيُّ : لا خلاف في أنَّ جملة الخنزير محرَّمةٌ، إلاَّ الشَّعر، فإنَّه يجوز الخرازة به.
قوله :﴿وَمَا أُهِلَّ بِهِ] :" مَا " موصولةٌ بمعنى " الَّذِي "، ومحلُّها : إمَّا النصبُ، وإمَّا الرفع ؛ عطفاً على " المَيْتة " والرَّفع : إما خبر " إنّ "، وإما على الفاعلية ؛ على حسب ما تقدم من القراءات ؛ و " أُهِلَّ " مبنيٌّ للمفعول، والقائم مقام الفاعل هو الجار والمجرور في " بِهِ " والضمير يعود على " ما " والباء بمعنى " في " ولا بد من حذف مضافٍ، أي :" في ذبحه " ؛ لأن المعنى :" وما صِيحَ في ذَبْحِهِ لغير الله "، والإهلال : مصدر " أَهَلَّ "، أي : صَرَخَ.
قال الأصْمعِيُّ : أصله رفع لاصَّوت، وكلُّ رافعٍ صوته، فهو مهلٌّ.
ومنه الهلالُ ؛ لأنَّه يصرخ عند رؤيته، واستهلَّ الصبُّح قال ابن أحمر :[السريع] ٩٠١ - يُهِلُّ بِالغَرْقَدِ غَوَّاصُهَا
كَمَا يُهِلُّ الرَّاكِبُ المُعْتَمِرْ
جزء : ٣ رقم الصفحة : ١٧٠
وقال النَّابِغَةُ :[الكامل] ٩٠٢ - أَوْ دُرَّةٍ صَدَفِيَّةٍ غَوَّاصُهَا
بَهِجٌ مَتَى يَرَهَا يُهِلَّ وَيَسْجُدِ
وقال القائل :[المديد] ٩٠٣ - تَضْحَكُ الضَّبعُ لِقَتْلَى هُذَيْلٍ
وَتَرَى الذِّئْبَ لَهَا يَسْتَهِلُّ
وقيل للمحرم : مُهِلٌّ ؛ لرفع الصوت باتَّلبية، و " الذَّبح " مهلٌّ ؛ لأنَّ العرب كانوا يسمُّون الأوثان عند الذَّبح، ويرفعون أصواتهم بذكرها، فمعنى قوله :{وَمَآ أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ﴾
، يعني : ما ذبح للأصنام، والطَّواغيت، قاله مجاهد، والضَّحَّاك وقتادة، وقال الرَّبيع ابن أنسٍ، وابن زيد : يعني : ما ذكر عليه غير اسم الله.
قال ابن الخطيب - رحمه الله - : وهذا االقول أولى ؛ لأنَّه أشدُّ مطابقةً للَّفظ.
قال العلماء : لو ذبح مسلم ذبيحةً، وقصد بذبحها التقرُّب إلى [غير] الله تعالى، صار مرتدّاً، وذبيحته ذبيحة مرتدٍّ، وهذا الحكم في ذبائح غير أهل الكتاب.
١٧٣


الصفحة التالية
Icon