وهما كقراءتي :﴿فَنَادضاهُ المَلائِكَةُ ونَادَتْهُ﴾ [آل عمران : ٣٩]، ﴿تَوَفَّاهُ وَتَوَفَّتْهُ﴾ [الأنعام : ٦١].
وأدغم أبو عمرو : الجيم في التاء.
واستضعفها بعضهم من حيث إن مخرج الجيم بعيد من مخرج التاء.
وأجيب عن ذلك بأنها قريبة من الشين ؛ لأن النقص الذي في الشين يقرِّبها من مخرج التاء، والجيم تدغم في الشين لما بينهما من التقارب، في المخرج والصفة، كما تقدم في ﴿أَخْرَجَ شَطْأَهُ﴾ [الفتح : ٢٩] فحُمِلَ الإدغم في التاء، على الإدغام في الشين، لما بين الشين والتاء من التقارب.
وأجيب أيضاً : بأنَّ الإدغام يكون لمجرد الصفات، وإنْ لم يتقاربا في المخرج، والجيم تشارك التاء في الاستفال والانفتاح والشّدة.
والجملة من " تعرج " مستأنفة.
قوله :" والرُّوحُ " من باب عطف الخاص على العام، إن أريد بالروح جبريل، أو ملك آخر من جنسهم، وأخر هنا وقدم في قوله :﴿يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلاَئِكَةُ صَفّاً﴾ [النبأ : ٣٨] ؛ لأن المقامَ هنا يقتضي تقدم الجمع على الواحد، من حيثُ إنه مقامُ تخويفٍ، وتهويل.
فصل في تحرير معنى الآية ﴿تَعْرُجُ الْمَلاَئِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ﴾، أي : تصعد في المعارج التي جعلها الله لهم.
قال ابن عبَّاسِ : الروح : جبريلُ - عليه السلام - لقوله تعالى :﴿نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ﴾ [الشعراء : ١٩٣].
وقيل : هو ملكٌ آخر، عظيمُ الخلقةِ.
وقال أبو صالح : إنه خلق من خلق الله، كهيئة الناس وليس بالناس.
وقال قبيصة بن ذؤيب : إنه روح الميت حين تقبض.
قوله :" إليه "، أي : إلى المكان الذي هو محلهم، وهو في السماء ؛ لأنه محلُ برَّه وكرامته وقيل : هو كقوله إبراهيم ﴿إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي﴾ [الصافات : ٩٩]، أي : إلى الموضع الذي أمرني به.
وقيل :" إليه " إلى عرشه.
قال شهاب الدين : الضمير في " إلْيهِ "، الظاهر عوده على الله تعالى.
وقيل : يعود على المكان لدلالة الحال والسياق عليه.
٣٥٤
قوله :" في يوم "، فيه وجهان : أظهرهما : تعلقه بـ " تَعْرجُ ".
والثاني : أنه يتعلق بـ " دافع ".
وعلى هذا فالجملة من قوله :" تعرجُ الملائكةُ " معترضة، و " كَانَ مقداره " صفةٌ لـ " يوم ".
قال ابن الخطيب : الأكثرون على أنَّ قوله :" فِي يَوْمٍ " صلة قوله :" تَعْرُجُ "، أي : يحصل العروج في مثل هذا اليوم.
وقال مقاتل : بل هذا من صلة قوله :" بعَذابٍ واقع " [وعلى هذا القول يكون في الآية تقديم وتأخير، والتقدير : سأل سائل بعذا واقع]، في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة.
وعلى التقدير الأول، فذلك اليوم، إما أن يكون في الآخرة، أو في الدنيا.
وعلى تقدير أن يكون في الآخرة، فذلك الطول إما أن يكون واقعاً، إما أن يكون مقدراً، فإن كان معنى الآية : إن ذلك العُروجَ يقع في يوم من أيام الآخرة طوله خمسون ألف سنةٍ، وهو يوم القيامة، وهذا قول الحسن، قال : وليس يعني أن مقدار طوله هذا فقط ؛ إ لو كان كذلك لحصلت له غاية، ولنفيت الجنة والنار عند انتهاء تلك الغاية، وهذا غير جائز، بل المراد : أن موقفهم للحساب حين يفصل بين الناس خمسون ألف سنة من سني الدُّنيا بعد ذلك يستقر أهل النار في النار، نعوذ بالله منها.
فصل في الاحتجاج لهذا القول قال القرطبي : واستدل النحاس على صحة هذا القول بما روي عن النبي ﷺ أنه قال :" مَا مِنْ رجُلٍ لَمْ يُؤدِّ زكَاةَ مالِه إلاَّ جعلَ لَهُ شُجَاعاً مِنْ نَارٍ تُكْوَى بِهِ جبْهَتُهُ وظَهْرُهُ وجَنْبَاهُ يَوْمَ القِيامَةِ في يَوْمٍ كَانَ مقْدارهُ خَمْسينَ ألْفَ سَنةٍ حتَّى يقْضِيَ الله بَيْنَ النَّاسِ " وهذا يدل على أنه يوم القيامةِ.
وقال إبراهيم التيمي : ما قدر ذلك اليوم على المؤمن إلا ما قدر ما بين ظهر يومنا وعصره.
وروى هذا المعنى مرفوعاً عن النبي ﷺ " أنه قال :" يحاسبكم الله تعالى بمقدار ما بين الصلاتين " ولذلك سمى نفسه ﴿سَرِيعُ الْحِسَابِ﴾ [المائدة : ٤]، و ﴿أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ﴾
٣٥٥


الصفحة التالية
Icon