[الأنعام : ٦٢]، وإنما خاطبهم على قدرة فهم الخلائقِ، وإلا فلا يشغله شأن عن شأن، وكما يرزقهم في ساعة يحاسبهم في لحظة، قال تعالى :﴿مَّا خَلْقُكُمْ وَلاَ بَعْثُكُمْ إِلاَّ كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ﴾ [لقمان : ٣٨].
والمعنى : لو ولي محاسب العباد في ذلك اليوم غير الله، لم يفرغ منه في خمسين ألف سنة.
قال البغوي : هذا معنى قول عطاء عن ابن عباس ومقاتل.
قال عطاء : ويفرغ الله منه في مقدار نصف يوم من أيام الدنيا.
واعلم أنَّ هذا الطول، إنَّما يكون في حق الكافرِ، وأما في حق المؤمن فلا، لما روى أبو سعيد الخردي أنه قال :" قِيْلَ لرسول الله ﷺ :" ما أطولَ هذا اليوم ؟ فقال :" والذي نَفْسي بِيَدهِ إنَّهُ ليَخِفُّ على المؤمنِ حتَّى إنَّهُ يكُونُ أخفَّ من صلاةٍ مكتوبةٍ يُصلِّيهَا في الدُّنْيَا " وقال بعضهم : إنَّ ذلك، وإن طال، فيكون سبباً لمزيد السرورِ والراحة لأهل الجنة، ويكون سبباً لمزيد الحزنِ والغمِّ لأهل النار.
وأجيب : بأنَّ الآخرة دارُ جزاءٍ، فلا بد وأن يحصل للمثابين ثوابهم، ودارُ الثوابِ هي الجنةُ لا الموقف، فإذاً لا بد من تخصيص طول الموقف بالكفار.
وقيل : هذه المدة على سبيل التقدير لا على التحقيق، أي : تعرج الملائكةُ في ساعة قليلة، هذه المدة على سبيل التقدير على على التحقيق، أي : تعرج الملائكُة ساعة قليلة، لو أراد أهل الدنيا العروج إليها كان مقدار مدَّتهم خمسين ألف سنةٍ.
وعن مجاهد والحسن وعكرمة : هي مدة إقامة عمر الدنيا من أول ما خلقت إلى آخر ما بقي خمسون ألف سنةٍ، وهو قول أبي مسلمٍ.
فإن قيل : كيف الجمعُ بين هذه، وبين قوله في سورة " السَّجدة " :﴿فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ﴾ [السجدة : ٥] وقد قال ابن عباس : هي أيام سمَّاها الله تعالى هو أعلم بها، وأنا أكره أن أقول فيها ما لا أعلم.
٣٥٦
فالجوابُ : يحتمل أن من أسفل العالم إلى أعلى العرش خمسين ألف سنةٍ، ومن أعلى سماءِ الدنيا إلى الأرض ألف سنةٍ ؛ لأن عرض كل سماءٍ خمسمائة، وما بين أسفل السماء إلى قرار الأرض خمسمائة، فقوله :﴿في يَوْمٍ﴾ يويد : في يوم من أيام الدنيا، وهو مقدار ألف سنةٍ لو صعدوا فيه إلى سماء الدنيا، ومقدار خمسين ألف سنةٍ لو صعدوا إلى أعلى العرش.
جزء : ١٩ رقم الصفحة : ٣٤٨
قوله :﴿فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِيلاً﴾ قال ابن الخطيب : هذا متعلق بـ " سألَ سَائلٌ " ؛ لأن استعاجلهم بالعذاب كان على وجه الاستهزاءِ برسول الله ﷺ والتعنُّت فأمر بالصبر.
ومن قَرَأ :" سَالَ سَائِل "، وسيل فالمعنى جاء العذاب لقرب وقوعه فاصبر على أذى قومك، والصَّبرُ الجميلُ هو الذي لا جزع فيه، ولا شكوى لغير الله.
وقيل : أن يكون صاحب مصيبة في القوم لا يدرى من هو.
قال ابنُ زيدٍ والكلبيُّ : هذه الآيةُ منسوخة بالأمر بالقتال.
قوله :﴿إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيداً وَنَرَاهُ قَرِيباً﴾.
الضميرُ في " إنَّهُمْ " لأهل " مكة "، وفي " يَرونَهُم، ونَرَاه " اليوم إن أريد به يوم القيامة.
قال القرطبيُّ : أي : نعلمه ؛ لأن الرؤية تتعلقُ بالموجودِ، كقولك : الشافعي يرى في هذه المسألةِ كذا.
وقال الأعمشُ : يرون البَعْثَ ؛ لأنهم لا يؤمنون به، كأنهم يستبعدونه على جهة الإحالة كمن يقول لمن يناظره : هذا بعيدٌ لا يكون.
وقيل : الضمير يعودُ إلى العذاب بالنار، أي : غير كائن، " ونراه قريباً " لأن ما هو آت، فهو قريب.
قوله :﴿يَوْمَ تَكُونُ﴾، فيه أوجه :
٣٥٧
أحدها : أنه متعلق بـ " قريباً " وهذا إذا كان الضمير في " نراه " للعذاب ظاهراً.
الثاني : أنه يتعلق بمحذوف يدل عليه " واقع "، أي : يقع يوم يكون.
الثالث : أنه يتعلق بمحذوفٍ مقدر بعده، أي : يوم يكون كان وكيت وكيت.
الرابع : أنه بدل من الضمير في " نَرَاهُ " إذا كان عائداً على يوم القيامةِ.
الخامس : أنَّه بدل عن " فِي يَوْمٍ "، فيمن علقه بـ " واقع ".
قاله الزمخشري.
وإنَّما قال : فيمن علقه " بِواقعٍ " لأنه إذا علق بـ " تَعْرُجُ " في أحد الوجهين استحال أن يبدل عنه هذا لأن عروج الملائكة ليس هو في هذا اليوم لاذي تكون السماء كالمُهْلِ، والجبال كالعِهْنِ، ويشغل كل حميمٍ عن حميمه.
قال أبو حيان :" ولا يجوز هذا " يعني : إبداله من " في يوم " قال : لأن " فِي يَوْمٍ " وإن كان في موضع نصب لا يبدل منه منصوب ؛ لأن مثل هذا ليس بزائد، ولا محكوم له يحكم الزائد، كـ " رَّبِّ " وإنما يجوز مراعاة الموضع في حرف الجر الزائدة ؛ كقوله :[الكامل] ٤٨٥٩ - أبَنِي لْبَيْنَى لَسْتُمَا بِيدٍ
إلاَّ يَداً ليْسَتْ لَهَا عَضُدُ
جزء : ١٩ رقم الصفحة : ٣٥٧


الصفحة التالية
Icon