ولذلك لا يجوز " مررت بزيد الخياط " على موضع " بزيد " ولا " مررتُ بزيد وعمراً ".
 ولا " غضب على زيد وجعفراً " ولا " مررت بزيد وأخاك " على مراعاة الموضع.
 قال شهاب الدين : قد تقدم أن قراءة ﴿وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ﴾ [المائدة : ٦] من هذا الباب فمن نصب الأرجل فليكن هذا مثله.
 ثم قال أبو حيَّان : فإن قلت : الحركة في " يوم " تكون حركة بناء لا حركة إعرابٍ،  فهو مجرور مثل " فِي يَوْمٍ ".
 قلتُ : لا يجوز بناؤه على مذهب البصريين ؛ لأنه أضيف إلى مُعرب،  لكنه يجوز على مذهب الكوفيين فيتمشى كلامُ الزمخشريِّ على مذهبهم إن كان استحضره وقصده انتهى.
 قال شهاب الدين : إن كان استحضره فيه تحامل على الرجل،  وأي كبير أمر في هذا حتى لا يستحضر مثل هذا.
 وتقدم الكلام على المهل في " الدخان ".
٣٥٨
قوله :﴿وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ﴾.
 قيل :" العِهْنُ " هو الصُّوف مطلقاً،  وقيل : يقدر كونه أحمر وهو أضعف الصوف،  ومنه قول زهير :[الطويل] ٤٨٦٠ - كَأنَّ فُتَاتَ العِهْنِ في كُلِّ مَنْزِلٍ
يَزَالُ بِه حَبُّ الفَنَا لمْ يُحَطَّمِ
الفتات : القطع،  والعِهْنُ : الصُّوف الأحمر،  واحده عهنه.
 وقيل : يقيد كونه مصبوغاً ألواناً،  وهذا أليق بالتشبيه ؛ لأن الجبال متلونه،  كما قال تعالى :﴿جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ﴾ [فاطر : ٢٧].
 والمعنى : أنها تلين بعد شدة،  وتتفرق بعد الاجتماع.
 وقيل : أول ما تتفرق الجبال تصير رمالاً ثم عِهْناً منفوشاً،  ثم هباءً مَنْثُوراً.
 قوله :﴿وَلاَ يَسْأَلُ حَمِيمٌ حَمِيماً﴾.
 قرأ العامة :" يَسْألُ " مبنياً للفاعل،  والمفعول الثاني محذوف،  فقيل : تقديره : لا يسأله نصره،  ولا شفاعته لعلمه أنَّ لك مفقود.
 وقيل : لا يسأله شيئاً من حمل أو زادٍ.
 وقيل :" حَمِيمْاً " منصوب على إسقاط الخافض،  أي : عن حميم،  لشغله عنه.
 قاله قتادة.
 لقوله تعالى :﴿لِكُلِّ امْرِىءٍ مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ﴾ [عبس : ٣٧].
 وقرأ أبو جعفر،  وأبو حيوة،  وشيبة،  وابن كثير في رواية قال القرطبيُّ.
 والبزي عن عاصم :" يُسْألُ " مبنياً للمفعول.
 فقيل :" حميماً " مفعول ثان لا على إسقاط حرف،  والمعنى : لا يسأل إحضاره.
 وقيل : بل هو على إسقاط " عَنْ "،  أي : عن حميم،  ولا ذو قرابة عن قرابته،  بل كل إنسان يُسأل عن عمله،  نظيره :﴿كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ﴾ [المدثر : ٣٨].
 قوله : يَبْصَّرُونَهُمْ} عدي بالتضعيف إلى ثان،  وقام الأول مقام الفاعل،  وفي محل هذه الجملة وجهان : أحدهما : أنها في موضع الصفة لـ " حَمِيم ".
 والثاني : أنها مستأنفة.
٣٥٩
قال الزمخشريُّ : فإن قلت : ما موقع " يُبصَّرُونهُم " ؟ قلت : هو كلام مستأنف،  كأنه لمَّا قال :" لا يَسألُ حَمِيمٌ حَمِيْماً " قيل : لعله لا يبصره،  فقال :" يُبَصَّرُونهُم "،  ثم قال : ويجوز أن يكون " يبصرُونهُم " صفة،  أي : حميماً مبصرين معرفين إياهم انتهى.
 وإنما اجتمع الضميران في " يبصرُونهُم " وهما للحميمين حملاً على معنى العمومِ ؛ لأنهما نكرتان يف سياق النفي.
 وقرأ قتادةُ :" يُبصِرُونهُمْ " مبنياً للفاعل،  من " أبصَرَ "،  أي : يبصر المؤمن الكافر في النار.
 فصل في قوله تعالى يبصرونهم " يُبصَّرُونهُم "،  أي : يرونهم،  يقال : بصرت به أبصر،  قال تعالى :﴿بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُواْ بِهِ﴾ [طه : ٩٦]،  ويقال :" بصَّرَني زيدٌ بكذا " فإذا حذفت الجار قلت : بصَّرني زيدٌ،  فإذا بنيت الفعل للمفعول،  وقد حذفت الجارَّ،  قلت : بصرت زيداً،  فهذا معنى :" يُبَصَّرونهُمْ " أي : يعرف الحميمُ الحميمَ حين يعرفه،  وهو مع ذلك،  لا يسأله عن شأنه لشغله بنفسه،  فيبصر الرجلُ أباه،  وأخاه،  وقرابته،  وعشيرته،  فلا يسألهُ،  ولا يكلمه ؛ لاشتغالهم بأنفسهم.
 وقال ابن عبَّاس : يتعارفون ساعة،  ثم لا يتعارفون بعد ذلك.
 وقال ابن عباس أيضاً : يُبْصِرُ بعضهم بعضاً،  فيتعارفون ثم يفرُّ بعضهم من بعضٍ،  فالضمير في " يُبَصَّرونهُم " على هذا للكافر،  والهاءُ والميم للأقرباء.
 وقال مجاهدٌ : المعنى : يُبَصِّرُ الله المؤمنين الكفَّار في يوم القيامةِ،  فالضمير في " يُبَصَّرونهم " للمؤمنين،  والهاءُ والميمُ للكفار.
 وقال ابنُ زيدٍ : المعنى : يُبصِّرُ الله الكفار في النار الذين أضلوهم في الدُّنيا،  فالضميرُ في " يُبَصَّرونَهُم " للتابعين،  والهاءُ والميم للمتبوعين.
 وقيل : إنه يُبصِرُ المظلومُ ظالمه،  والمقتولُ قاتله.
 وقيل : إن الضمير في " يُبصَّرونَهم " يرجع إلى الملائكة،  أي : يعرفون أحوال
٣٦٠