الناس، فيسوقون كلَّ فريقٍ إلى ما يليق بهم، وتمَّ الكلامُ عند قوله :" يُبصَّرُونَهُم ".
قوله :" يَوَدُّ المُجرِمُ "، أي : يتمنَّى الكافرُ ﴿لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ﴾، أي : من عذاب جهنم، وقيل : المرادُ بالمجرم كلُّ مذنب، وتقدم الكلام على قراءتي " يَومئذٍ " فتحاً وجرّاً في " هود " والعامة : على إضافة " عَذابِ " لـ " يَومِئذٍ ".
وأبو حيوة : بتنوين " عذابٍ "، ونصب " يَومئذٍ "، على الظرف.
قال ابنُ الخطيب : وانتصابه بعذاب ؛ لأن فيه معنى تعذيب.
وقال أبو حيَّان هنا :" والجمهور بكسرها - أي : ميم يومئذ - والأعرج وأبو حيوة : يفتحها " انتهى.
وقد تقدم أنَّ الفتح قراءةُ نافع، والكسائي.
قوله :﴿وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيهِ﴾.
قال ثعلب : الفصيلةُ : الآباء الأدنون.
وقال أبو عبيدة : الفخذ.
وقال مجاهد وابن زيدٍ : عشيرته الأقربون.
وقد تقدم ذكر ذلك عند قوله :" شعوباً وقبائل ".
وقال المُبرِّدُ : الفصيلةُ : القطعةُ من أعضاء الجسد، وهي دون القبيلةِ، وسُمِّيت عترةُ الرجلِ فصيلته تشبيهاً بالبعض منه.
قال ابنُ الخطيبِ : فصيلة الرجل : أقرباؤه الأقربون الذين فصل عنهم، وينتمي إليهم ؛ لأن المراد من الفصيلة المفصولة ؛ لأن الولد يكون مفصولاً من الأبوين، قال عليه الصلاة والسلام :" فَاطِمَةُ قِطعَةٌ منِّي " فلما كان مفصولاً منهما، كانا أيضاً مفصولين منه، فسُمِّيا فصيلة لهذا السببِ.
وكان يقالُ للعباس رضي الله عنه : فصيلةُ النبي ﷺ لأن العمَّ قائم مقام الأب.
وقوله :" التي تؤويه "، أي : ينصرونه.
وقال مالك : أمُّه التي تربيه، حكاه الماورديُّ، ورواه عنه أشهبُ.
قال شهاب الدين : ولم يبدله السوسي عن أبي عمرو، قالوا : لأنه يؤدي إلى لفظ هو أثقل منه، والإبدال للتخفيف.
٣٦١
وقرأ الزهريُّ :" تؤويهُ، وتُنجِيهُ " بضم هاء الكناية، على الأصل.
و " ثُمَّ نُنجِيْهِ " عطف على " يَفْتَدِي " فهو داخلٌ في خبر " لَوْ " وتقدم الكلامُ فيها، هل هي مصدرية أم شرطيةٌ في الماضي، ومفعول " يَوَدُّ " محذوف، أي : يودُّ النَّجاة.
وقيل : إنها هنا بمعنى " أن " وليس بشيء، وفاعل " ينجيه " إما ضميرُ الافتداء الدالُ عليه " يَفْتَدي "، أو ضمير من تقدم ذكرهم، وهو قوله :﴿وَمَن فِي الأَرْضِ﴾.
و ﴿وَمَن فِي الأَرْضِ﴾ مجرور عطفاً على " بَنِيْهِ " وما بعده، أي : يودُّ الافتداء بمن في الأرض أيضاً و " حميماً " إما حال، وإما تأكيد، وحد باعتبار اللفظ.
فصل فيما يترتب على معنى " فصيلته " من أحكام إذا وقف على فصيلته، أو أوصى لها فمن ادعى العموم حمله على عشيرته، ومن ادعى الخصوص حمله على الآباء الأدنى فالأدنى، والأول أكثر في النطقِ، قاله القرطبي و " تؤويه " تضمه وتؤمنهُ من خوف إن كان به، ﴿وَمَن فِي الأَرْضِ جَمِيعاً﴾، أي : ويود لو فدي بهم لافتدى " ثُمَّ يُنجِيْهِ " أي : ويخلصه ذلك الفداءُ، فلا بُدَّ من هذا الإضمار، كقوله :﴿وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ﴾ [الأنعام : ١٢١] أي : وإن أكلهُ لفسقٌ.
وقيل :" يَودُّ المُجرمُ " يقتضي جواباً بالفاء كقوله :﴿وَدُّواْ لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ﴾ [القلم : ٩].
والجوابُ في هذه الآية " ثُمَّ يُنجِيهِ " لأنَّها من حروف العطف، أي يودُّ المجرم لو يفتدي، وينجيهِ الافتداءُ.
جزء : ١٩ رقم الصفحة : ٣٥٧
قوله :" كلا ".
ردعٌ وزجرٌ.
قال القرطبيُّ :" وإنما تكون بمعنى " حقّاً "، وبمعنى " لا " وهي هنا تحتمل الأمرين، فإذا كانت بمعنى " حقّاً " فإن تمام الكلام " ينجيه " وإذا كانت بمعنى " لا " كان تمامُ الكلام عليها.
إذ ليس ينجيه من عذاب الله إلا الافتداءُ ".
قول :﴿إِنَّهَا لَظَى نَزَّاعَةً﴾ في الضَّمير ثلاثة أوجه : أحدها : أنه ضميرُ النارِ، وإن لم يجر لها ذكرٌ لدلالة لفظ عذابٍ عليها.
والثاني : أنه ضميرُ القصةِ.
الثالث : إنه ضميرٌ مبهمٌ يترجم عنه الخبرُ، قاله الزمخشريُّ، وقد تقدم تحقيق ذلك في قوله تعالى :﴿إِنْ هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا الدُّنْيَا﴾ [الأنعام : ٢٩].
٣٦٢