قوله :﴿تَدْعُو مَنْ أَدْبَرَ﴾.
يجوز أن يكون خبراً لـ " إنَّ " أو خبراً لمبتدأ محذوف، أو حال من " لَظَى " أو من " نزَّاعةً " على القراءتين فيها ؛ لأنها تتحملُ ضميراً.
فصل في المراد بالآية المعنى : تدعُو " لَظَى " من أدبر في الدنيا عن الطَّاعة لله " وتولَّى " عن الإيمان ودعاؤها أن تقول : يا مشرك إليَّ يا كافر إليَّ.
وقال ابن عباس : تدعُو الكافرين والمنافقين بأسمائهم بلسان فصيح : إليَّ يا كافر، إليَّ يا منافق، ثم تلتقطهم كما تلتقط الطَّير الحبَّ.
وقال ثعلبٌ :" تَدعُو "، أي : تهلك، تقول العربُ : دعاك الله، أي : أهلكك اللَّهُ.
وقال الخليلُ : إنَّه ليس كالدُّعاء " تعالوا " ولكن دعوتها إياهم تمكنها منهم، ومن تعذيبهم.
وقيل : الدَّاعي : خزنة جهنَّم أضيف دعاؤهم إليها.
٣٦٥
وقيل : هو ضرب مثل، أي : أنها تدعوهم بلسان الحال، أي : إنَّ مصير من أدبر، وتولى إليها، فكنَّها الدَّاعية لهم.
ومثله قول الشاعر :[الكامل] ٤٨٦٥ - ولقَدْ هَبَطْنَا الوادِيِيْنِ فَوادِياً
يَدْعُو الأنيسَ بِهِ الغضِيضُ الأبْكُمُ
الغضيضُ الأبكمُ : الذباب، وهو لا يدعو، وإنَّما طنينه نبَّه عليه فدعا له.
قال القرطبيُّ :" والقولُ الأولُ هو الحقيقة لظاهر القرآنِ، والأخبار الصحيحة ".
قال القشيريُّ : ودعا لَظَى بخلقِ الحياةِ فيها حين تدعُو، وخوارقُ العادةِ غداً كثيرة.
قوله :﴿وَجَمَعَ فَأَوْعَى ﴾.
أي : جمع المال فجعله في وعاءٍ، ومنع منه حق الله تعالى، فكان جموعاً منوعاً.
قال ابن الخطيب :" جَمَعَ " إشارة إلى حبّ الدنيا، والحِرْص عليها، " وأوْعَى " إشارة إلى الأمل، ولا شكَّ أنَّ مجامع آفات الدين ليست إلاَّ هذه.
وقيل :" جَمَعَ " المعاصي " فأوْعَى " أي : أكثر منها حتى أثقلتهُ، وأصرَّ عليها، ولم يَتُبْ منها.
جزء : ١٩ رقم الصفحة : ٣٦٢
قوله :﴿إِنَّ الإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً﴾.
قال الضحاك : المرادُ بالإنسان هنا الكافر.
وقيل : عام لأنه استثنى منه المصلين، فدلَّ على أن المراد به الجنس، فهو كقوله :﴿إِنَّ الإِنسَانَ لَفِى خُسْرٍ إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُواْ﴾ [العصر : ٢، ٣].
و " هَلُوعاً " حال مقدرة.
والهلع مُفسَّر بما بعده، وهو قوله " إذَا، وإذَا ".
٣٦٦
قال ثعلبٌ : سألني محمد بن عبد الله بن طاهر : ما الهلع ؟.
فقلت : قد فسَّره اللَّهُ، ولا يكون أبينَ من تفسيره، وهو الذي إذا ناله شر أظهر شدة الجزع، وإذا ناله خيرٌ بخل به ومنعه.
انتهى.
وأصله في اللغة على ما قاله أبو عبيد : أشدّ الحرص وأسوأ الجزع، وهو قولُ مجاهدٍ وقتادة وغيرهما.
وقد هَلِع - بالكسر - يهلع هلعاً وهلاعاً فهو هلع وهالع وهلوع، على التكثير.
وقيل : هو الجزع والاضطرابُ السريع عند مسِّ المكروه، والمنع السَّريعُ عند مسِّ الخير من قولهم :" ناقةٌ هلوَاع "، أي : سريعة السير، قال المفسرون : معناه : أنه لا يصبر في خير ولا شر، حتى يفعل فيهما ما لا ينبغي.
روى السدِّي عن أبي صالح عن ابن عباس قال : الهِلوَاع، الحريصُ على ما لا يحل له.
وقال عكرمة : هو الضَّجور.
وقال الضحاك : هو الذي لا يشبع.
والمَنُوع : هو الذي إذا أصاب حق المال منع منه حق الله تعالى.
وقال ابن كيسان : خلق اللَّهُ الإنسان يحبّ ما يسرُّه، ويرضيه، ويهربُ مما يكرهه، ثم تعبّده الله بإنفاق ما يحب والصبر على ما يكره.
وقال أبو عبيدة : الهِلواعُ الذي إذا مسَّهُ الخيرُ لم يشكر، وإذا مسَّهُ الضُّرُّ لم يَصْبِرْ.
وقال عليه الصلاة والسلام :" شَرُّ مَا أعْطِي العَبْدُ شُحُّ هَالِعٌ، وجُبْنٌ خَالِعٌ " والعرب تقول : ناقةٌ هلواعة، وهلواع إذا كانت سريعة السَّير خفيفة ؛ قال :[الكامل] ٤٨٦٦ - صَكَّاءُ ذِعلِبةٌ إذَا استَدْبَرْتَهَا
حَرَجٌ إذَا اسْتقَبلْتَهَا هِلواعُ
جزء : ١٩ رقم الصفحة : ٣٦٦
الذِّعِلب والذِّعلِبَة : النَّاقةُ السَّريعةُ.
٣٦٧