قال ابن الخطيب : دوامُهم عليها ألا يتركوها في وقتٍ من الأوقاتِ، ومحافظتهم عليها ترجع إلى الاهتمام بحالها، حتى يأتي بها على أكمل الوجوه من المحافظة على شرائطها، والإتيان بها في الجماعة وفي المساجدِ الشريفةِ والاجتهاد في تفريغ القلب عن الوسواس والرياء والسمعة، وألاّ يلتفت يميناً ولا شمالاً، وأن يكون حاضر القلب فاهماً للأذكار، مطلعاً على حكم الصَّلاة متعلق القلب بدخول أوقات الصلواتِ.
قوله :﴿وَالَّذِينَ فِى أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَّعْلُومٌ﴾.
قال قتادة وابن سيرين : يريد الزكاة المفروضة.
وقال مجاهد : سوى الزكاة، وقال عليُّ بن أبي طلحة عن ابن عباس : صلة الرَّحمِ وحمل الكل.
والأول أصح ؛ لأنه وصف الحق بانه معلوم، والمعلوم هو المقدر، وسوى الزكاة ليس بمعلوم إنما هو قدرُ الحاجةِ، وذلك يقل ويكثرُ.
وقال ابنُ عباسٍ : من أدَّى زكاة مالهِ فلا جناح عليه أن لا يتصدق، وأيضاً فالله - تعالى - استثناهُ ممن ذمَّه، فدلَّ على أنَّ الذي لا يُعْطِي هذا الحقَّ يكونُ مذموماً، ولا حقَّ على هذه الصفةِ إلا الزكاة.
وقوله :﴿لِّلسَّآئِلِ وَالْمَحْرُومِ﴾.
تقدَّم في الذَّاريات.
قوله :﴿وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ﴾ [المعارج : ٢٦]، أي : بيوم الجزاء، وهو يوم القيامة، أي : يؤمنون بالبعث، والنشور.
﴿وَالَّذِينَ هُم مِّنْ عَذَابِ رَبِّهِم مُّشْفِقُونَ﴾، أي : خائفون، والإشفاق : الخوف إما من ترك واجبٍ، وإما من فعلِ محظورٍ، ثم أكَّد ذلك الخوف بقوله :﴿إِنَّ عَذَابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ﴾.
قال ابن عباسٍ : لمن أشرك أو كذَّب أنبياءه.
وقيل : لا يأمنه أحدٌ، بل الواجبُ على كل أحد أن يخافه ويشفق منه.
﴿وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ إِلاَّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَأِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ فَمَنِ ابْتَغَى وَرَآءَ ذَلِكَ فَأُوْلَـائِكَ هُمُ الْعَادُونَ﴾ تقدَّم تفسيرهُ في سورة " المؤمنون " [المؤمنين : ٥، ٦، ٧].
٣٧٠
﴿وَالَّذِينَ هُمْ لأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ﴾ تقدَّم أيضاً [المؤمنين : ٨].
وقرىء :" لأمَانتِهِم " على التوحيد، وهي قراءةُ ابن كثير وابن محيصن.
فـ " الأمانة " اسم جنسٍ تدخل فيها أماناتُ الدينِ، فإنَّ الشرائعَ أماناتٌ ائتمنَ اللَّهُ عليها عباده، ويدخل فيها أمانات الناس من الودائع، وقد مضى ذلك.
قوله :﴿وَالَّذِينَ هُمْ بِشَهَادَاتِهِم قَائِمُونَ﴾.
قرأ حفص :" بِشَهادَاتِهِمْ " جمعاً، اعتباراً بتعدد الأنواع، والباقون : بالإفراد، أو المرادُ الجنس.
قال الواحديُّ : والإفرادُ أولى ؛ لأنه مصدرٌ، فيفرد كما تفرد المصادرُ، وإن أضيف إلى الجمع كـ ﴿لَصَوْتُ الْحَمِيرِ﴾ [لقمان : ١٩] ومن جمع ذهب إلى اختلافِ الشَّهاداتِ.
قال أكثرُ المفسرينَ : يقومون بالشهادة على من كانت عليه من قريب وبعيد يقومون بها عند الحُكَّام، ولا يكتمونها.
وقال ابن عبَّاس : بشهادتهم : أن الله وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله.
قوله :﴿وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاَتِهِمْ يُحَافِظُونَ﴾ قال قتادةُ : على وضوئها وركوعها وسجودها، فالدوام خلاف المحافظة فدوامهم عليها محافظتهم على أدائهِا لا يخلُّون بها، ولا يشتغلون عنها بشيءٍ من الشواغل، ومحافظتهم عليها أن يُراعُو إسباغَ الوضوءِ لها، ومواقيتها، ويقيموا أركانها، ويكملوها بسنتها، وآدابها، ويحفظونها من الإحباط باقتراف المآثمِ، فالدوام يرجع إلى نفس الصلوات، والمحافظة على أحوالها، ذكره القرطبيُّ.
ثم قال :﴿أُوْلَـائِكَ فِي جَنَّاتٍ مُّكْرَمُونَ﴾، أي : أكرمهم الله فيها، بأنواع الكرامات.
جزء : ١٩ رقم الصفحة : ٣٦٦
قوله :﴿فَمَالِ الَّذِينَ كَفَرُواْ قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ﴾.
روي أنَّ المشركين كانوا يجتمعون حول النبي ﷺ يستمعون كلامه، ويستهزئون به
٣٧١
ويكذبونه، ويقولن : إن دخل هؤلاء الجنَّة كما يقول محمد ﷺ فلندخلنَّها قبلهم، فنزلت هذه الآية إلى قوله :﴿أَيَطْمَعُ كُلُّ امْرِىءٍ مِّنْهُمْ أَن يُدْخَلَ جَنَّةَ نَعِيمٍ﴾.
وقال أبو مسلمٍ : ظاهر الآية يدل على أنهم هم المنافقون، فهم الذين كانوا عنده، وإسراعهم المذكور هو الإسراعُ في الكفر، لقوله تعالى :﴿وَلاَ يَحْزُنكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ﴾ [آل عمران : ١٧٦].
و " الإهْطَاعُ " : الإسراعُ.
قال الأخفش :" مُهْطعيْنَ "، أي : مُسرِعيْنَ، قال :[الوافر] ٤٨٦٧ - بِمكَّةَ أهْلُهَا ولقَدْ أرَاهُمْ
إليْهِ مُهْطِعينَ إلى السَّماعِ